منهم، قوله تعالى: ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ إلا أنه التناهي في الضآلة والخفة والصغر، حتى ليكون من الهباء الذي لا وزن له.
وهو ما يلائم، مادياً وبياناً، جو الموقف ونسق السياق، من الزلزلة والإنفجار والتفتيت والتشتيت.... فهم يخرجون أثقالاً، ويصدرون أشتاتاً، ويرون أعمالهم مثقال ذرة من خير أو شر.
* * *
ونفرغ بعد هذا لعقدة الموقف في ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ يأيتي الزلزلة، وما ثار حوله من خلاف قديم بدأ بتساؤل المفسرين من الفرق وأصحاب الكلام: "للقائل أن يقول: إن حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن معفوة بإجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرة للخير والشر؟ ".
ولكي يحلوا عقدة الموقف المفترض، عملوا إلى تأولات شتى، فقال "الزمخشري" - من المعتزلة - بتخصيص العامل في الآيتين، فالمعنى عنده: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً من فريق السعداء، ومن يعمل مثقال ذرة شراً من فريق الأشقياء".
وقال أبو حيان، وهو ممن مالوا إلى الظاهرية:
"والظاهر تخصيص العامل - في الخير - أي فمن يعمل مثقال ذرة من السعداء، لأن الكافر لا يرى خيراً في الآخرة، وتعميمه في آية ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ لأنه جاء بعد قوله: ﴿يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ وقال إبن عباس: هذه الأعمال في الآخرة، قيرى الخير كله من كان مؤمناً، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً لأن خيره قد عجل له في دنياه. فالمؤمن تعجل له سيئاته الصغائر في دنياه، في المصائب والأمراض ونحوها، وما عمل من شر أو خير رآه".
لكن "الطبرسي" - من الشيعة - في مجمع البيان، ذهب إلى أن "هذه الآية يستدل بها على بطلان الإحباك، فطاهرها يدل على أنه لا يفعل أحد شيئاً من طاعة أو معصية، إلا ويجازى علية".