وهو ما يبدو أن الشيخ محمد عبده أخذ به فقال: "قيل إنها نزلت لإزالة ما وقع في نفوس كثير من المؤمنين. من أن الخير القليل لا ينظر الله إليه ولا يجازى عليه، وكذلك الصغائر من الذنوب، فأزال شبهتهم وكشف عنهم وهمهم، وعرفهم أن لا شيء من عمل الإنسان يفوته، فالخير يجازى به مهما صغر، والشر يلقى جزاءه مهما نزر".
لكن هذا كله لم يحسم الموقف، إذ يواجهه صريح الآيات المحكمات في مغفرة الله تعالى لمن يشاء من عباده:
النساء ٤٨، ١١٦ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
الزمر ٥٣: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
مما أضطر بعضهم إلى القول بأن "المؤمن يرى عقوبته في الدنيا" أو قيد العقاب بمثقال ذرة، وعلى "ما يفعلون من شر إذا لم يكونوا تابوا عنه".
وما كنا لنطيل الوقوف عند هذا الجدل الذي يبدو مما لا يتعلق به التفسير البياني، لولا أنه يصل بنا أخيراً إلى ما يؤيد دعوتنا الملحة إلى الدرس المنهجي لدلالات الأفاظ القرآنية، وتدبر أسراره البيانية.
* * *
فلنسأل بعد كل ما سمعناه من خلاف تأزم، ومن محاولات عسرة للخروج من المأزق المفترض:
ما الذي أقحم قضية الإحباط ومسألة الحساب على آيتي الزلزلة، وليستا متعلقتين بجزاء أو عقاب؟
نص الآيتين، يغنينا عن كل ذاك العناء، والتدبر الدقيق لبيانه يعفينا من التكلف والتأول، ويريجنا من القيد والتخصيص والتعميم. فالذي في الآيتين أن من يعمل مثقال


الصفحة التالية
Icon