وإنه لكذلك، الإعطاء للمال والبخل به، في آيتى الليل:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾
بشاهد من النص بعدهما:
فيمن بخل: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾.
وفيمن أعطى: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾.
وإعطاء المال أو البخل به، إنما يكونان فيما يجب أن ينفق فيه المال من وجوه الخير، وأداء حق الله فيه إلى من يستحقونه، زكاة وصدقة وبراً، على ما هو بين من تدبر الاستعمال القرآني للمال والأموال.
* * *
وللمفسرين في مفعول ﴿اتَّقَى﴾ ثلاثة أقوال:
ففي قول عن ابن عباس أنه: "اتقى البخل".
ويرد عليه أن لفظ ﴿أَعْطَى﴾ قبله يفيد هذا المعنى، كما أن السياق بعده، يأتي بالبخل وبالتكذيب في مقابل الإعطاء والإتقاء، مما يبعد أن يكون اتقى بمعنى اتقى البخل.
والقولان الآخران هما: اتقى الله، أو اتقى الحساب والعذاب.
والوجهان متقاربان، فمن اتقى الله عذابه في الآخرة، ولا يتقى الحساب والعذاب إلا من اتقى الله.
والوقاية في الأصل الحفظ مما يضر ويؤذى، ومنه في القرآن آية (النحل ٨١) وجاءت التقوى في تجنب الإثم والمعصية، ابتغاء مرضاة الله ووقاية من غضبه وعذابه. ويهدى تدبر استعمال القرآن للاتقاء، أنه يذكر المفعول دائماً مع فعل الأمر. وقد جاء ثلاث مرات خطاباً للواحد والمتقي هو الله، وخطاباً للجمع (اتقوا) نحو سبعين مرة: خمس منها في اتقاء النار، وعذاب الآخرة، ويوم ترجعون فيه إلى الله، لا تجزى نفس عن نفس شيئاً.