﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾.
والإنذار بنار تلظى، في آية الليل، عام كالعموم المستفاد من الآية قبله:
﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾.
ثم تأتي الآية بعده فتخص من يصلاها، وهو - كما في آية المعارج - من كذب وتولى:
﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾.
قيل في تفسير ﴿لَا يَصْلَاهَا﴾ :"معنها لا يصطلي بها إلا الأشقى".
وهو ما لا يطمئن إليه حس العربية في استعمالها الصلى للشي في النار أو بها: صلى اللحم صلياً ألقاه في النار وضواه. وصلى النار وبالنار: قاسى حرها ولهيبها. وينقل مجازياً إلى: صلى نار الحرب.
أما الاصطلاء فقلما يستعمل إلا في التماس الدفء من النار، على وجه التخصيص.
وهذا الفرق بين الصلى والاصطلاء، هو ما يهدي إليه البيان القرآني، حين يستعمل الاصطلاء في الدفء بخاصة، في قول موسى لأهله حين آنس ناراً:
﴿امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ (القصص ٢٩، النمل ٧)
على حين يأتي الصلى والتلية، في التعذيب بالنار ومقاساة حرها ولهيبها، باستقراء مواضع استعمالهما بالقرآن الكريم، وعددها ثلاثة وعشرون.
ويختص الصلى فيها جميعاً، فعلاً ومصدراً واسم فاعل، بنار الجحيم.
وعيداً للكافرين والمكذبين والمغرورين المفتونين بالمال والجاه والبنين، فهم صالو الجحيم، يصلون سعيراً، وسقر، والنار الكبرى، وناراً ذات لهب، جهنم يصلونها وبئس القرار، فبئس المهاد، فبئس المصير.
وبهذا كله نستأنس في فهم ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ فلا يكون بمعنى الاصطلاء