المجازى، وهو في صنعة البلاغيين لعلاقة الزمان أي وقت السرى. لكنه في الفن القولي أعمق نفاذاً من ذلك الملحظ القريب المتبادر الذي تكتفي به الصنعة، إذ فيه تجسيم لليل وتشخيص وفاعلية، بحيث يتمثل كائناً حياً يسرى. وفيه كذلك إلباس للحدث بزمانه، فالليل نفسه يسرى كما يسرى فيه كل كل سار بليل.
وقد جاءت المادة في القرآن الكريم ثماني مرات كلها في سرى الليل، باستثناء آية مريم: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ ٢٤.
والمرات السبع في سرى الليل، كلها أفعال:
مرة للماضي في آية الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾.
وخمس مرات فعل أمر للوطٍ وموسى، عليهما السلام بآيات: هو ٨١، الحجر ٦٥، طه ٧٧، الشعراء ٥٢، الدخان ٢٣.
وآية الفجر: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ على إسناد السرى إلى الليل نفسه مجازاً. في (تفسير الطبري) عن مقاتل: هي ليلة المزدلفة والساري هو الحج.
وهذا، فيما نرى، تخصيص قد يمنعه عموم اللفظ.
وفسره أبو حيان: إذا يمضى، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾ ومثله النيسابورى في الغرائب. وفسره ابن القيم في التبيان، بالإقبال أو بالإدبار.
ويبعده المفهوم من معنى السرى، يمتد من أول الليل إلى آخره، على وجه الاستغراق الذي يستوعب مداه.
وتأوله الشيخ محمد عبده بالظلمة! قال: "أقسم تعالى بالليل مراداً منه الظلمة، وكثيراً كا يطلق اسم الليل وتراد ظلمته".
ويمنعه أن الليل في آيات القسم به، لم يأت قط على إطلاقه، بل قيد هنا بـ: إذا يسرى، كما قيد في غير سورة الفجر، بـ: أذا سجى، وإذا يغشى، وإذا عسعس، وإذا أدبر..... وغير متصور أن يكون المراد منها جميعاً الظلمة، دون نظر إلى القيد في كل آية.
ثم توسع الشيخ في تأول وجه الإعظام والتفخيم لهذه الظلمة المقسم بها فقال: "ولما كان ظلام الليل واختلاط قطعة عظيمة منه بضوء القمر في الليلة الواحدة،


الصفحة التالية
Icon