وكلها ملحوظ فيها الدلالة الأصلية للمادة، على الحجز والضبط والمنع.
وكذلك جاء حجز في آية الفجر بمعنى العقل، لا لمجرد رعاية الفاصلة بل اقتضاه معها ملحظ معنوي من السياق، في الحجز يحجز صاحبه عن السفه والضلال، ويمنع من الغي والطغيان، ويميز بين النور والظلام.
وبهذا فسره جمهور المفسرين. وأضاف ابن القيم في التبيان: "يحجز صاحبه عن الغفلة وإتباع الهوى ويحمله على إتباع الرسل".
أما وجه الاستفهام في الآية، فذهب الفخر الرازي إلى أن المراد منه التأكيد وقال الشيخ محمد عبده إنه "للتقرير وتفخيم أمر المقسم به".
والتأكيد والتقرير، طلاهما، ممت تكتفي به الصنعة البلاغية، ونؤثر أن نحمل الاستفهام على وجه الإلتزام بالمسئولية، حين يضع ذات الحجر في موقف المسئول عما ينبغي أن يكون له من رقابة عقله وضبط نهاه، حجر عما لا يليق بذي حجر من سفه وغرور وعتو وطغيان وضلال.
* * *
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.
وفي الايات لكل ي حجر عبرة....
وقد أكثر المفسرون في الكلام عن عاد إرم ذات العماد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، بما لم تتجه عناية القرآن إلى شيء مما ذكروه.
واختلفوا اختلافاً بعيداً.
ففي عاد إرم ذات العماد: قيل إن عاداً، هو ابن إرم بن عوص بن سام بن نوح، أو إن إرم هو جد عاد لا لأبوه، ثم صار عاد للقبيلة: قالقدامى منهم هم عاد الأولى، والمتأخرون هم عاد الأخيرة.
وفي رواية أخرى بالطبري: إن إرم ذات العماد اسم بلدة.