القرآن، ثم لا يبدو مخالفاً لما في تفسير الطبري والسيرة النبوية، حيث يقف الحديث فيهما عن اول ما نزل من الوحي، عند الآية الخامسة: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
* * *
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾.
من عجب أن تكون كلمة ﴿اقْرَأْ﴾ أول ما استهل به الوحي إلى النبي الأمي المبعوث في الأميين رسولاً منهم، وأن يكون "الكتاب" معجزة هذا النبي المصطفى لختام رسالات الدين منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، والعصر عصر بداوة، والبيئة وثنية جافية لا عهد لها بمظاهر الحضارة المادية والفكرية التي ازدهرت في بيئات أخرى كوادي النيل، ووادي الرافدين....
ونحتاج هنا في هذه السورة المبكرة من أول الوحي، إلى تمثل ما كان لها من وقع في نفوس الذين تلاها فيهم المصطفى عليه السلام، مستأنسين بما كانت البيئة العربية في عصر النبوة تفهمه وتدركه، بعيداً عما أضيف إلى هذا الفهم من محدث التأويلات التي أضافتها عصور متأخرة.
واللافت أن الإمام الطبري لم يجد حاجة إلى تأويل آية: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ لوضوح معناها. فليست القراءة بحيث تحتمل التأويل بغير المألوف من دلالتها على التلاوة. والعربية كانت تستعملها في التلاوة من نص مكتوب أو غير مكتوب.
كما عرفت الرب بدلالته على المالك والمعبود.
وإذ كانت الكلمة وحياً إلهياً، فباسم ربه الذي خلق، أمر المصطفى أن يقرأ. وقد كان لقبائل العرب الوثنية أربابها من أوثان وأصنام، ومحمد كان قبل المبعث في حيرة من أمره وأمر قومه، يراهم على سفه وضلال، وينكر عبادتهم لأرباب صنعوها بأيديهم من خشب وحجر وطين، ثم نسوا أنهم صانعوها وكدسوها في ساحة البيت العتيق، وعطفوا عليها عابدين.
وطال به التأمل التماساً لما يهديه من حيرته، وقد صد عما يعبده قومه من أوثان صماء بلهاء، ولم يجد ما يطمئن إليه لدى من عرفت الجزيرة من عصابات يهود التي


الصفحة التالية
Icon