طرأت على شمال الحجاز فأنشبت مخالبها في الأرض الطيبة، ونسيت "موسى" وربه، واتخذت من الذهب وثنها المعبود.
والنصارى - في الشام ونجران - قد مزقتهم التفرقة المذهبية، فبعضهم لبعض عدو، وكل طائفة ترمى الأخرى بالكفر والضلال....
ومن بعيد كان لهب النار يسطع من معابد المجوس، وقد أحاط بها القوم طائفين عابدين!
وفي تلك الظلمة الغاشية، كانت كلمة الوحي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ للأمي المختلى في حراء، توجيهاً وهداية إلى الحق الذيى طال التماسه إياه، وإذاناً بانتهاء حيرته التي طالما أجهدته في تأملاته، وانبثاقاً لنور فجر جديد ينسخ ظلمات ليل ادلهم وطال.
* * *
وقد يجدي أن ننقل عن الفخر الرازي أن في قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ إشعاراً بأن كل قراءة القرآن يجب أن تبدأ باسم الله. لكنا نتوقف حيال ما ذكره من أن في قوله تعالى: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ بدلاً من: باسم الله، أن الرب من صفات الفعل والله من أسماء الذات.... فالأمر هنا يستوجب العبادة بصفات الفعل....
وأن في كلمة ربك ﴿ما يزيل فزع الرسول من الوحي. فكأنه قال: ربك هو الذي رباك فكيف يفزعك؟ فأقاد هذا الحرف معنيين في أحدهما: ربيتك فلزمك القضاء فلا تتكاسل. والثاني: قد ربيتك حين كنت علقاً فكيف أضيعك بعد أن صرت خلقاً نفسياً موحداً عارفاً بي؟ ".
وإنما حسبنا أن نلمح ما في {رَبِّكَ﴾
من صلة بحال المصطفى وقومه قبل المبعث، وطول حيرته التماساً للهدى والحة، وطول خلوته المتأملة في ملكوت السموات والأرض. وهذا هو نور الكلمة يشرق فيهديه إلى ربه الذي خلق، الجدير بالعبادة دون هذه الأرباب المخلوقة التي عبدتها الوثنية العربية.
ولا وجه عندنا لما تعلق به بعض المفسرين من تأول مفعول لـ ﴿خَلَقَ﴾ في الآية الأولى، بل ندعها على إطلاقها الذي يفيد معنى العموم، ثم تتولى الآية بعدها


الصفحة التالية
Icon