تخصيص هذا العام، باللفت إلى خلق الإنسان، من حيث كان الوحي القرآني لهداية هذا الإنسان، دون غيره من الكائنات.
كما لا نجد حاجة إلى الوقوف عندما قدره بعضهم - فيما نقل الرازي - من أن "في قوله تعالى: الذي خلق، من التمهيد لاعتراف عباد الأوثان به، ما ليس في قوله: الذي لا شريك له. لأنه لم بدأهم بهذه المواجهة لأبوا أن يقبلوا ذلك منه، فقدم تعالى في ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به، فكأنه قال: واذكر لهم أنهم هم الذين خلقوا من العلقمة فلا يمكنهم إنكاره، ثم قل: ولابد للفعل من فاعل، فلا يمكنهم أن يضيفوا الخلق إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه. فبهذا التدريج يقرون بأني المستحق للثناء".
وسياق الآيات صريح في أنه تقرير لربوبية الخالق. وتخصيص خلق الإنسان بالذكر دون سائر المخلوقات، لأن الإنسان هو المختص بالقراءة والعلم، المنفرد بتبعية التكليف، المخاطب بكل ما سوف ينزل به الوحي من كلمات اللله.
* * *
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾.
من السلف من تأويله على أن المقصود به إيناس الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ربه الذي دعاه ورباه مذ كان علقاً. وآخرون منهم تأولوه على قصد التدرج بعباد الأوثان إلى الإقرار بخالفتهم. وعلى ما نقلنا من كلام الفخر الرازي.
وقال الزمخشري إن في الآية تفخيماً لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته. وقد نقله الرازي، ثم أضاف إليه، في تأويل ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ : كون الإنسان من علقة وهي أخس الأشياء، ثم صيرورته عالماً والعلم أشرف المراتب، فكأنه تعالى يقول: انتقلت من أخس المراتب إلى أعلى المراتب، فلابد لك من مدبر مقدر ينقلك من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الحالة الشريفة.


الصفحة التالية
Icon