﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.
وجه القول هنا على التحسر كما حمله الزمخشري في (الكشاف) وإن استطرد فتأوله، على مذهب الإعتزال: "بأن فيه دليلاً على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقاً بقصدهم وإرادتهم. وأنهم لم يكونوا محجوزين عن الطاعات مجبورين على المعاصي وإلا فما معنى التحسر؟ ".
وندع الخوض في مشكلة الجبر والاختيار، ونقبل توجيه القول في الآية على التحسر. وفي التحسر معنى الندم والإقرار بأن ما فات هيهات أن يعود.
ثم نخلص للملاحظ البيانية، فنقول:
أنى للبعد، وليت للتمني في البعيد والمستحيل، والإنسان يخصصه السياق بمن تصدق عليه الآيات التي سبقت من سورة الفجر.
يتمنى هذا الإنسان، الذي غرته الدنيا وغره بالله الغرور، يوم تقوم القيامة ويتحقق ما طالما استبعده أو نسيه، لو أن له كرة فيقدم لحياته من صالح الأعمال ما يتقى به هذا العذاب الأكبر.
واستغنى البيان القرآني عن تحديد "حياتي" فاختلف المفسرون بين أن يكون المراد بها حياتي الآخرة، أو وقت حياتي الأولى في الدنيا، أو في القرالذي كنت أكذب به؟.
والأولى أن تحمل على الحياة الأخرى الباقية، فما كانت الدنيا سوى رحلة عابرة لحياة فانية، لا يبقى منها سوى ما يتزود به الإنسان لأخراه، حين لا يجدى تحسر على ما ضاع، أو تمن لاستدراك ما فات، وقد قضى الأمر وفات الأوان.
* * *
﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾
قراءة الجمهور بكسر الذال والثاء في الفعلين، على البناء للمعلوم، وهي التي


الصفحة التالية
Icon