الدنيا، إما على الحقيقة في النار المعروفة المعهودة، وإما على المجاز في مثل نار الحرب (المائدة ٦٤)
ومع كثرة استعمال النار في القرآن لنار الجحيم، لم تأت مضافة إلى الله تعالى إلا في "الهمزة" فشهد ذلك بفداحة النكر لفتنة المال وما تغرى به من تكبر وبغى، وعدوان وضلال.
والإيقاد الإشعال، وأصله في العربية للنار إلا أت يستعمل مجازاً في الفتنة والحرب والضغينة وما أشبهها.
وقد جاءت مادة (قد) في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، اثنتان منها على المجاز في آية النور: ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ ٣٥.
وبآية (المائدة) في اليهود: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ ٦٤.
وخمس مرات للنار المعروفة، إيقاداً ووقوداً واستيقادا:
(يس ٨٠، الرعد ١٧، القصص ٣٨، البروج ٥، البقرة ١٧).
وأربع مرات لنار الجحيم ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ بآيات:
(البقرة ٢٤، وآل عمران ١٠، والتحريم ٦).
و ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾ في آية الهمزة.
والمار لا تكون إلا موقدة، فوصفها بالموقدة في مقام النذير، تأكيد للوعيد وإرهاب بهوله.
وليس من الضرورى أن نتأول إطلاع نار الله الموقدة على الأفئدة، بأنها: "تعلوها وتقلبها وتشتمل عليها" كما ذهب الزمخشري وأذه الشيخ محمد عبده، ولا بأنها "تأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب" كما نقل الطبري.
وأولى من هذا الهجوم والأكل، أن نامح أسرار التعبير في هذا البيان القرآني، فنتدبر موضع الأفئدة هنا، ولا نقول إنها جاءت مكان القلوب لمجرد ملحظ لفظي في رعاية الفاصلة، بل لأن القلب قد يطلق في العربية على العضو العضلي المعروف من أعضاء الجسم، أما الفؤاد فلا يطلق إلا على المعنوي من وضع الشعور والعواطف