هذا الأسلوب "فيه معنى التنبيه"، قال الفخر الرازي فيه: "إن الغرض منه المبالغة في التعجب" وذهب الشيخ محمد عبده إلى "أن المقصود به التنبيه إلى خفى مجهول".
وأميل إلى القول بأن سره البياني فس الاستفهام عما يبدو للناس واضحاً غير خفي، ويحسبونه معلوماً غير مجهول، إذ ليس التكذيب بالدين مظنه خفاء، والناس يحسبونه أنه يكفي المرء تصديق بالدين لأن ينطق الشهادتين ويؤدي العبادات المفروضة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.
ومن ثم يأتي الاستفهام عما يحسبه الناس مستغنياً عن كل بيان، فيثير أقصى اليقظة والانتباه، ويرهف الدهشة والترقب انتظاراً لجواب غير متوقع، وتطلعاً إلى معرفة ماذا يكون التكذيب بالدين غير الذي يعلمون منه بالضرورة؟
* * *
والدين في العربية: الطاعة والخضوع. وسمى العبد مديناً لأن العبودية أخضعته.
والديان: القهار، والقاضي، والحاكم.
وشاع استعماله في الملة بعامة، وفي الإسلام بوجه خاص، وهو المعنى الغالب في الاستعمال القرآني.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾
﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾.
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً﴾.
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
وسمى اليوم الآخر "يوم الدين" أربع عشرة مرة.
وفي آية ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ فسر الدين بأنه ثواب الله وعقابه (الطبري) واختار الزمخشري كذلك أن يكون بمعنى الجزاء. والأولى عند الرازي أن يكون بمعنى الإسلام.
وهي أقوال متقاربة، وإن يكن حمله على الدين بمعنى العقيدة والإسلام، أقوى


الصفحة التالية
Icon