من نطفة أو من تراب، على النشأة الأخرى التي هي مدار الثواب والعقاب، ومناط ما يوجه إليه كتاب الإسلام من تكليف وبشرى ووعيد.
* * *
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾.
ذهب بعض المفسرين، فيما نقل الفخر الرازي، إلى أن ﴿اقْرَأْ﴾ في الآية الأولى تعني: "اقرأ لنفسك، وهي في هذه الآية بمعنى التبليغ، أو أن الأولى للتعلم، والثانية للتعليم، أو أن الأولى: اقرأ في صلاتك، والثانية: اقرأ خارج صلاتك".
وهي أقوال متقاربة، وإن كان الأولى لأخذ السياق على ظاهره، بما يفيد من تأكيد الأمر الإلهي للمصطفى بالقراءة. وإذ كان لا يدري ماذا يقرأ، فقد تولى الوحي بيانه، فليقرأ باسم ربه الذي خلق.... وليقرأ وربه الأكرم.
والكرم في العربية نقيض اللؤم، ودلالته على العزة مألوفة في استمعال لكرام الناس. والإكرتم ضد الإهانة والإذلال.
ومن الكرم بمعنى العزة، جاء الكريم في القرآن وصفاً لذي الجلالة أو اماً من أسمائه الحسنى، ووصفاً لعرشه:
﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.
﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾.
كما جاء وصفاً لرسول، وملك، وكتاب، وقرآن كريم، ووعد المتقون برزق، وأجر، ومدخل ومقام كريم.
وجاء الكرتم، جمع كريم، وصفاً لملائكة بررة، كاتبين. وللمؤمنين في سياق اليسرى.
وفي سياق الوعيد والسخرية، جاءت آية الدخان في الأثيم:
﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ - ٤٩.
وفي التكريم والإكرام، نقيضاً للتحقير والإذلال، جاءت صيغة مكرمة وصفاً لصحف الوحي، والمكرمون وصفاً للملائكة، ولضيف إبراهيم منهم، ولأهل الجنة.


الصفحة التالية
Icon