أولها: وأعلاها وأجلها قدراً قلم القدر السابق الذي كتب الله به مقادير الخلائق.
ثانيها: قلم الوحي يكتب به وحي الله تعالى إللا سرله وأنبيائه.
ثالثها: قلم الفقهاء والمفتين. ويتلوه على الترتيب التنازلي: قلم طب الأبدان، وقلم التوقيع عن الملوك والساسة، وقلم الحساب تضبط به الأموال، وقلم الحكم تثبت به الحقوق وتنفذ القضايا، وقلم الشهادة تحفظ به الحقوق وتصان عن الإضاعة، وقلم تعبير الرؤيا ووحي المنام، وفقلم التأريخ، وقلم اللغة يشرح معاني الأفاظها ونحوها وتصريفها وأسرار تراكيبها، ثم القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين.
وأضاف الفر الرازي إلى تأويل الآية، أن فيها إشارة إلى الأدلة السمعية والأحكام المكتوبة التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالسمع، بعد أن أشرات آية: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ إلى الجلالة العقلية على كمال القدرة والحكمة والعلم. فكأنها إشارة إلى معرفة الربوبية، والتعليم بالقلم إشارة إلى النبوة.
ومثله النيسابورى في (تفسير غرائب القرآن).
وحيث لا مجال للإشاريات في منهجنا، نطمئن إلى أن الآية لفتت إلى سر القلم، من حيث هو أداة الكتابة التي يدون بها العلم ويحفظ وينتقل على امتداد الزمان والمكان وتتابع الأجيال. ويتسع المقام لكل ما عده المفسرون من شرف القلم وفوائد الكتابة، على أن يظل للبيان القرلآني دلالته في لفت النبي الأمي والعرب الأميين إلى جلال القلم، آية من أيات الخالق الذي خلق الإنسان من علق، وعلمه ما لم يكن يعلم. بما تعني من اختصاص الإنسان دون سائر الكائنات بالقلم وكسب العلم. وهذا من الخصائص الإنسانية التي يضيف إليها الوحي من بعد ذلك ما يجلوها ويزيدها بياناً، إذ يجعل العلم مناط تكريم آدم، الإنسان الأول، وحقه في الخلافة في الأرض، ويسوق الآيات ويضرب الأمثال للذين يعلمون، ويقصر خشيته تعالى على العلماء.....
* * *