الدهر. وهذا هو الراجح. وتسمية الدهر عصراً أمر معروف".
وهو ما نطمئن إليه - كما اطمأن الإمام الطبري - مستأنسين بسياق الآية في السورة، إذ اللفت إلى ما يعتصر الزمن من خلاصة الإنسان، بالضغط والمعاناة، فيكشف عن خيره أو شره.
* * *
والسورة تبدأ بواو القسم وهو عندهم على أصل استعماله اللغوي، لتعظيم المقسم به. ولم يتعلق "الطبري" هنا بفكرة العظمة التي سيطرت على جمهرة المفسرين بعده، فراحوا يتأولون وجه العظمة في العصر على اختلاف الأقوال في تفسيره.
جمع الرازي ستة وجوهٍ في عظمة العصر بمعنى الدهر، وثلاثة أوجه في عظمته بمعنى الوقت المعين من النهار، وستةً في صلاة العصر، ثم بين وجه عظمته إن كان مراداً به عصر النبوة.
وقد نقلت آنفاً، تأويل الشيخ محمد عبده للقسم بوقت العصر. ولا نعلم أن هذا الوقت في المألوف والعادة وقت اجتماع الناس وتذاكرهم وتحدثهم. بل لعل وقت المساء أولى بهذا. ثم إن احتمال التحدث بما لا يليق وما يؤذي، لا يمكن في تصورنا أن يختص به وقت العصر دون غيره من الأوقات، وإنما هو مما يحتمل وقوعه في أي وقت من ليل أو نهار!
* * *
ومن حيث آثرنا مع الطبري وابن القيم، وأكثر المفسرين، أن يكون العصر بمعنى الدهر والزمن، نكتفي هنا بعرض ما قالوه في عظمة العصر بهذا المعنى.
ولا تكاد أقوالهم تخرج عما استوفاه الفخر الرازي من وجوه عظمة العصر أي الدهر. قال:
"إن الدهر مشتمل على الأعاجيب لأنه يحصل فيه السراء والضراء والصحة والسقم والغنى والفقر، بل فيه ما هو أعجب من كل عجيب، وهو أن العقل لا يقوى على أن يحكم عليه بالعدم فإنه مجزأ مقسم بالسنة والشهر واليوم، ومحكوم عليه بالزيادة