والفاصلة بكلا اللفظين، العصر والدهر، مرعية، عند من يتعلقون بهذه الصنعة البديعية ويقفون عند الملحظ الشكلي.
وقد قال الرازي في وجه إيثار العصر بذكر: "ولعله تعالى لم يذكر الدهر لعلمه أن الملحد مولع بذكره وتعظيمه".
على حين يذهب النيسابورى إلى أن وجه الإقسام بالعصر هنا "لشرف الدهر" ويروى الحديث: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر".
* * *
ونخلص من هذا كله لنتدبر آية العصر بعيداً عن فلسفة المتكلمين وتأويلات الإشارببن، فنرى في استقراء مواضع استعمال القرآن لمادة "عصر" ما يهدي إلى ملحظ إطلاق العربية العصر على الدهر، بما يعتصر من خلاصة الإنسان بالضغط والإبتلاء.
وبهذا الملحظ المألوف لدى العرب في عصر المبعث، والعربية لغتهم، تأتي كلمة العصر في سياقها من السورة، لافتة إلى إبتلاء الإنسان بالعصر الذي يصهره بالمعاناة ويعصره بالتجربة والإبتلاء.
والواو هنا في موضعها الذي تطرد به الظاهرة الأسلوبية في اللفت إلى حسى مدرك، توطئة إيضاحية لبيان معنوي غير محسوس ولا مدرك، وهو ما شرحناه بمزيد تفصيل في تفسير سور (الضحى، والعاديات، والنازعات) في الجزء الأول من هذا النفسير، ونغرض له مرة أخرى فيما يلي من تفسير سورتى (الليل، والفجر).
وبهذا اللفت الموجه إلى ضغطة العصر إبتلاءً، تأتي الآية بعده:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.
وللمفسرين في الإنسان قولان: إنه لعموم الجنس، أو: إن (ال) للعهد مراداً بالإنسان جماعة من المشركين: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب، ف راوية عن ابن عباس. وقيل نزلت في أبي لهب، وفي خبر مرفوع أنها نزلت في أبي جهل.....
"وذلك لأنهم كانوا يقولون: إن محمداً لفي خسر، فأقسم تعالى بالضد


الصفحة التالية
Icon