وليس تنكير "خسر" من المبالغات كما ذهب النيسابورى.
وإنما التنكير، فيما يفهم من السياق، على أصله البياني من الإطلاق غي المحدود بقيد أو عهد. وقد يحتمل كذلك معنى التهويل، على ما قال الرازي. ووجهه عنده، أنه "خسر عظيم لا يدرك كنهه إلا الله".
* * *
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
الإيمان نقيض الكفر، وفي دلالته اللغوية الأصلية حس الأمن والأمانة. والصلاح ضد الفساد، وتستعمل الصالحات في المجال الديني، نقيضاً للسيئات. وواضح هنا أن على الإنسان مسئوليته فرداً بالإيمان وعمل الصالحات، ومسئوليته عن الجماعة بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ويقترن العمل الصالح بالإيمان في القرآن الكريم نحو خمس وسبعين مرة، مع الوعد والبشرى بأن من يعمل صالحاً وهو مؤمن، فلا يخاف ظلماً ولا هضماً، ولا كفران لسعيه، له جزاء الحسنى، وحياة طيبة.
والذين يؤمنون بالله ويعملون الصالحات، وقليل ما هم، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لهم الدرجات العلى، ولهم أجرهم عند ربهم، أجر كريم، عظيم كبير، غير منون. ولهم مغفرة ورزق كريم، وليستخلفنهم الله في الأرض، ويزيدهم من فضله، وسبجعل لهم الرحمن وداً، وهو خير البرية، وأصحاب الجنة، طوبى لهم وحسن مآب.
ويأتي العمل الصالح مسنداً إلى رسل الله، كما يأتي الصالحون مع النبيين والشهداء في آيات (النساء ٦٩، الأنبياء ٧٢، ٨٦) وفي دعاء يوسف (١٠١) وإبراهيم (الشعراء ٨٣) وسليمان (النمل ١٩).
وعطف النهي عن الشرك على العمل الصالح في آية الكهف ١١٠:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.
كما جاء مقابلاً للكفر في آية الروم ٤٤: