﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾.
وفي هذا الاستقراء إيذان صريح بأن عمل الصالحات قرين الإيمان، ومنه نقول في آية العصر إن الإيمان ينبغي أن يقترن بعمل الصالحات، لكي ينجو الإنسان من الخسر.
لكن من المفسرين من لم يأخذوها بمثل هذه البساطة واليسر، بل أثاروا فيها عدداً من المسائل. منها جدل للمتكلمين لا يعنينا هنا في تفسيرنا البياني، كالذي ثار بين المعتزلة والأشعرية من خلاف حول تسمية الأعمال بالصالحات: هل لكونها في نفسها مشتملة على وجوه الصلاح؟ أو لأن الله سبحانه أمر بها؟
ومنها ما يتصل بموضوعنا في أسرار التعبير، كالوقوف عند عطف عمل الصالحاتعلى الإيمان، احتج به من ثال بأن العمل غي داخل في مسمى الإيمان بالله: "إذ لو كان ذاخلاً فيه لكان تكريراً ولا يمكن أن يقال إن هذا التكرير واقع في القرآن، ولا يحتج له بمثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ.....﴾ وقوله سبحانه: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ لأن هذا حسن فيه إعادة ما هو أشرف أنواع الكلى، وعمل الصالحات ليس أشرف أنواع الإيمان، فبطل هذا التأويل".
ورد عليهم بما في سورة العصر نفسها من عطف التواصي بالحق وبالصبر على عمل الصالحات، فكان جوابهم: "لا نمنع التكرير لأجل التأكيد. ولكن الأصل عدمه".
ونتدبر القرآن الكريم فيهدينا استقراء آياته المحكمات - على ما قدمنا - إلى أنه كثيراً ما يعطف العمل الصالح على الإيمان، فلا يكون هذا تكريراً للتأكيد، بقدر ما هو إيذان بأن الإيمان بفترن بالعمل الصالح.
فعمل الصالحات في ىية العصر، إذا عده بعضهم داخلاً في الإيمان - وآية الروم تؤنس إليه - فليس العطف تكريراً لمجرد التأكيد، وهو مألوف في العربية، وإنما يكون


الصفحة التالية
Icon