١- أن أغلب الصحابة كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة.
٢- أن أدوات الكتابة لم تكن متوافرة عندهم.
٣- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن كتابة شيء غير القرآن بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" ١. ويعتقد بعض الناس أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إنما نهى الصحابة عن كتابة شيء غير القرآن خشية أن يلتبس بغيره ويظهر لي -والله أعلم- أن هذا ليس بصحيح ذلكم أن القوم كانوا ذوي ذكاء في القريحة، وتذوق للبيان، وتقدير للأساليب ووزن لما يسمعون بأدق المعايير ويدركون إعجاز القرآن الكريم -بمجرد سماعه- إدراكًا تامًّا يأخذ منهم بالألباب ويسيطر منهم على الأفئدة فأنى لهم أن يختلط عندهم بغيره من كلام البشر، بل العلة في ذلك أنه ﷺ أراد توزيع مسئولية التبليغ عنه على جميع الصحابة ولو أذن للكتاب بالكتابة لاعتقد الأميون أن مسئولية التبليغ مقصورة على الكتّاب الذين يحتفظون عندهم بالنصوص الشرعية وأن ذمتهم هم بريئة، فلما نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يكتب عن كتابة غير القرآن أصبح الصحابة كلهم سواسية في التلقي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يتميز من يكتب عمن لا يكتب وأصبحت الدعوة إلى الله يشترك فيها الجميع وخير للدعوة أن ينشرها كل الصحابة من أن يقتصر أمرها على عدد من الكتاب.
فإن قلت: إن كان الأمر كذلك فلم أذن لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكتابة القرآن؟ قلت لك: إن تبليغ القرآن لا يرد عليه ما يرد على تبليغ غيره فلن يعتقد الأميون منهم أن تبليغه واجب على الكتاب فحسب فهم يقرءونه سرا وجهارا في بيوتهم وفي مساجدهم في خلواتهم وفي مجتمعهم وفي صلواتهم، فلتبليغه وسائل كثيرة لا تتحقق لغيره ولا تقتصر على الكتاب دون الأميين فالجميع يتلوه ويقوم به آناء الليل وأطراف النهار فلن يتكل الأميون