في تبليغه على الكتاب لإدراكهم أن الجميع مكلف بتلاوته في السطور وحفظه في الصدور.
ولهذا تغلب الصحابة -رضوان الله عليهم- على الأسباب السابقة المانعة من تدوين علوم القرآن بما حققوه للقرآن، وذلك بالاعتماد على قوة الحافظة فحفظوا علوم القرآن كما يحفظون الآيات، أخرج الطبري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن١ وروى أبو عبد الرحمن السلمي قال: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعلموا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا"٢.
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه"٣، ويقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو على المنبر: "سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل"٤، والنصوص في ذلك كثيرة كلها تثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكتفوا بحفظ نصوص القرآن الكريم فحسب بل حفظوا معها علومه ومعارفه.
واشتهر كثير من الصحابة بتفسير القرآن منهم الخلفاء الأربعة، وابن عباس، وابن الزبير، وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود،
٣ صحيح البخاري باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ج٦ ص١٠٢.
٤ الإتقان في علوم القرآن: السيوطي ج٢ ص١٨٧.