وأَخرَجَ عن أنَسٍ رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ (عبس: ٣١) فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا هو الكَلَفُ يا عمر!
وأخرج - عن طريق مجاهد- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت لا أدري ما ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ﴾ (فاطر: ١) حتى أتاني أعرابيان، يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتُها، يقول: أنا ابتدأتها.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جُبير، أنه سُئل عن قوله [تعالى] :﴿وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا﴾ (مريم: ١٣) فقال: سألت عنها ابن عباس، فلم يُجِب فيها شيئاً! " (١)
وهذا - إن دل على شيء، فإنما - يدل على أن هذه الألفاظ - التي توقف أمامها، بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم - كانت غريبة على بيئتهم الحجازية، وإن لم تكن غريبة على بعض البيئات العربية الأخرى، بدليل نزولها في القرآن الكريم (٢).
ومما يؤكد هذا الأمر، ويزيده وضوحاً: تلك الرواية، التي ذكرها القرطبي (٣)، إسناداً إلى سعيد بن المسيب، الذي قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر، قال: يا أيها الناس: ما تقولون في قول الله عز وجل: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ (النحل: ٤٧) ؟ فسكت الناس، فقال شيخ من هذيل: هو لُغتنا يا أمير المؤمنين، التخوّف: التنقُّص. فقال عمر رضي الله عنه: أتعرفُ العربُ ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا، أبو كبير الهُذَلي - يصف ناقة تنقَّصَ السَّيْر سَنامَها، بعد تمْكه (٤) واكتنازه -:

تَخَوَّف الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكاً قَرِدا كما تَخوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (٥)
(١) الإتقان في علوم القرآن: ٢/٤.
(٢) انظر: "النوع السابع والثلاثون فيما وقع في القرآن بغير لغة أهل الحجاز" - الإتقان: ٢/٨٩-١٠٤.
(٣) الجامع لأحكام القرآن - تح. د. محمد إبراهيم الحفناوي: ١٠/١١٦- نشر: دار الحديث بالقاهرة.
(٤) تَمك السنام: اكتنز وتجمع - القاموس المحيط (ت م ك).
(٥) السفَن: كل ما يُنْحت به الشيء - المرجع السابق (س ف ن).


الصفحة التالية
Icon