"ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام"، وذلك لأن بتك الآذان نوع نقصان، وهذا لأن الإنسان إذا صار مستغرق العقل في طلب الدنيا، صار فاتر الرأي ضعيف الحزم في طلب الآخرة، وأما البطلان فالإشارة إليه بقوله: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ وذلك لأن التغيير يوجب بطلان الصفة الحاصلة في المدة الأولى. ومن المعلوم أن من بقي مواظباً على طلب اللذات العاجلة، معرضاً عن السعادات الروحانية، فلا يزال يزيد في قلبه الرغبة في الدنيا والنفرة عن الآخرة، ولا تزال تتزايد هذه الأحوال إلى أن يتغير القلب بالكلية فلا يخطر بباله ذكر الآخرة البتة، ولا يزول عن خاطره حب الدنيا البتة، فتكون حركته وسكونه وقوله وفعله لأجل الدنيا، وذلك يوجب تغيير الخلقة لأن الأرواح البشرية إنما دخلت في هذا العالم الجسماني على سبيل السفر، وهي متوجهة إلى عالم القيامة، فإذا نسيت معادها وألفت هذه المحسوسات التي لا بد من انقضائها وفنائها كان هذا بالحقيقة تغييراً للخلقة، وهو كما قال تعالى ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ وقال ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ ) (١).
٥- أبو حيان النحوي (ت ٦٤٥)
﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ (النساء: ١١٩).
(وقالت فرقة منهم الزجاج هو جعل الكفار آلهة لهم ما خلق للاعتبار به من الشمس والنار والحجارة وغير ذلك مما عبدوه وقيل