(كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّفَقُوا؛ لِأَنَّ لِإِثْبَاتِ
الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا الْمُتَوَاتِرَةِ حُجَّةً قَطْعِيَّةً لَا تُعَارُضَ بِأَحَادِيثِ الْآحَادِ وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهَا.
وَأَصْرَحُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى كَوْنِ الْبَسْمَلَةِ لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ " يَقُولُهَا ثَلَاثًا - أَيْ كَلِمَةَ " فَهِيَ خِدَاجٌ " أَيْ نَاقِصَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ كَالنَّاقَةِ تَلِدُ لِغَيْرِ التَّمَامِ - فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ".
قَالَ النَّافُونَ: إِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ سَلْبِيٌّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ الْمُتَوَاتِرَ وَهُوَ إِثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ وَإِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْبَدْءِ بِالْخَتَمَاتِ، وَثُبُوتُ التَّوَاتُرِ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهَا فِي الْحَدِيثِ قَدْ يَكُونُ لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ. وَمِمَّا يَخْطُرُ عَلَى الْبَالِ بَدَاهَةً: أَنَّهُ كَمَا اكْتَفَى مِنْ قِسْمَةِ الصَّلَاةِ بِالْفَاتِحَةِ دُونَ سَائِرِ التِّلَاوَةِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَفْعَالِ اكْتَفَى مِنَ الْفَاتِحَةِ بِمَا لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا مِنَ السُّوَرِ، إِذِ الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ (بَرَاءَةَ) عَلَى التَّحْقِيقِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ خَطُّ الْمُصْحَفِ، وَثَمَّ سَبَبٌ آخَرُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِوَصْفِهِ بِالرَّحْمَةِ، وَهُوَ مَعْنًى مُكَرَّرٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَذُكِرَ فِي الْقِسْمَةِ.
وَالْعُمْدَةُ فِي عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ ظَنِّيَّةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَإِثْبَاتَ الْبَسْمَلَةِ إِيجَابِيٌّ وَقَطْعِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا كَانَ مِنْ عِلَلِ الْحَدِيثِ الْمَانِعَةِ مِنْ وَصْفِهِ بِالصِّحَّةِ: مُخَالَفَةُ رَاوِيهِ لِغَيْرِهِ مِنَ
الثِّقَاتِ فَمُخَالَفَةُ الْقَطْعِيِّ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْلَى بِسَلْبِ وَصْفِ الصِّحَّةِ عَنْهُ. عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ الْمُعَارَضُ بِالْأَحَادِيثِ الْمُثْبِتَةِ لِكَوْنِ الْبَسْمَلَةِ مِنَ الْفَاتِحَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ قَالَ: " إِنَّ


الصفحة التالية
Icon