بِقَوْلِهِ: فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ، إِنَّهُ يُنَبِّهُ " عَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ: مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ وَسَائِلِهَا وَغَايَاتِهَا، وَمَوَاهِبِهَا
وَكَسْبِيَّاتِهَا، وَبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذِهِ السُّورَةِ مَقَامَهَا وَلَا يَسُدُّ مَسَدَّهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا " اهـ.
وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ: فُصُولٌ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْوَحْدَةِ، وَالْمَجُوسِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَالْجَبْرِيَّةِ، وَمُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ، وَالْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمُسْتَنْبَطَاتِ، وَمُسْتَنْبَطَاتِ الرَّازِيِّ: أَنَّ أَكْثَرَ تِلْكَ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَالْكَلَامِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ، وَأَكْثَرَ هَذِهِ فِي الْمَقَاصِدِ الرُّوحِيَّةِ التَّعَبُّدِيَّةِ لِتِلْكَ الْمُصْطَلَحَاتِ وَالْعُلُومِ، فَهِيَ تَزِيدُ قَارِئَهَا دِينًا وَإِيمَانًا وَتَقْوَى، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهُمَا تَفْسِيرًا لِلْفَاتِحَةِ، وَلَوْ كُنَّا نَعُدُّهُ تَفْسِيرًا لَاقْتَبَسْنَاهُ أَوْ لَخَّصْنَاهُ فِي هَذِهِ الْفَوَائِدِ.
وَلِلصُّوفِيَّةِ مَنَازِعُ فِيهَا أَبْعَدُ عَنِ اللُّغَةِ وَالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، جَرَّأَتْ مِثْلَ الدَّجَّالِ مِيرْزَا غُلَامْ أَحْمَدَ الْقَادَيَانِيَّ، الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَالْوَحْيَ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمَسِيحُ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ أَهْلُ الْمِلَلِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ - جَرَّأَتْهُ عَلَى ادِّعَاءِ دَلَالَةِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ! ! وَقَدْ فَنَّدْنَا شُبْهَةَ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (٦: ٣٨).
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ مَذْهَبًا أَبْعَدَ مِنْ هَذَا وَذَاكَ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَهُوَ يَرَى أَنَّ تَفْسِيرَ لَفْظِ الْعَالَمِينِ ـ مَثَلًا ـ يَقْتَضِي بَيَانَ كُلِّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ الْبَشَرِ مِنْ مَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ، وَأَنَّ تَفْسِيرَ لَفْظَيِ (الرَّحْمَنِ) وَ (الرَّحِيمِ) يَقْتَضِي بَيَانَ كُلِّ مَا يُعْرَفُ مِنْ نِعَمِ اللهِ وَإِحْسَانِهِ بِخَلْقِهِ وَإِلَى خَلْقِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَاتِّبَاعُ هَذَا الْمَذْهَبِ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ آيَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ مِنْهَا لَا يَكْمُلُ إِلَّا بِكِتَابَةِ أُلُوفٍ مِنَ الْمُجَلَّدَاتِ يُدَوَّنُ فِيهَا كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْأَرْضِ فِي أَعْيَانِ الْعَالَمِ، وَصِفَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا مِنْ أَدْنَى الْحَشَرَاتِ إِلَى أَرْقَى الْبَشَرِ مِنْ حُكَمَاءِ الصِّدِّيقِينِ، وَالْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنْ عُدَّ مِثْلُ هَذَا مِنَ التَّفْسِيرِ إِضْلَالٌ عَنِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ فِي التَّفْسِيرِ تَذْكِيرُ الْمُؤْمِنِ بِأَلَا يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَالتَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَنِعَمِهِ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، عِنْدَ النَّظَرِ فِيهَا، وَالتَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا.
وَنَزَعَ بَعْضُ الدَّجَّالِينَ وَالْمُخَرِّفِينَ مَنْزَعًا آخَرَ سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ الْيَهُودَ، وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْمَعَانِي مِنْ أَعْدَادِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى
قِيَامِ السَّاعَةِ سَيَكُونُ فِي سَنَةِ ١٤٠٧ لِلْهِجْرَةِ، وَهُوَ عَدَدُ حُرُوفِ " بَغْتَةً " مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) وَلِهَؤُلَاءِ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ وَفِي أَعْدَادِهَا ضَلَالَاتٌ لَا نُضَيِّعُ الْوَقْتَ بِكِتَابَتِهَا، فَلِدَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي طُرُقٌ فِي اللُّغَةِ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.


الصفحة التالية
Icon