الْعَامِّ، حَتَّى كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَيِّنُ لَهُ الْوَقْتَ الَّذِي يُبَلِّغُ ذَلِكَ فِيهِ فَيَقُولُ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا أَمَرَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ بِمُسَاعَدَتِهِ عَلَى هَذَا التَّبْلِيغِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
وَلِقَدْ كَانَ تَأْمِيرُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي إِقَامَةِ الْحَجِّ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ خُلُوصِ السُّلْطَانِ لَهُمْ عَلَى مَكَّةَ، وَمَشَاعِرِ الْحَجِّ كُلِّهَا، كَتَقْدِيمِهِ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ قُبَيْلَ وَفَاتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَكِلَاهُمَا تَقْدِيمٌ لَهُ عَلَى جَمِيعِ زُعَمَاءِ الصَّحَابَةِ فِي
إِقَامَةِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الَّتِي كَانَ يَقُومُ بِهَا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَدَّهَا جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ تَرْشِيحًا لَهُ لِتَوَلِّيَ الْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَهُ، فَالْوَاقِعَةُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ لَا عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ وَقَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَيَكُونُ إِمَامًا فِي وَقْتِهِ. قَالَ الْآلُوسِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ شَيْءٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ نُكْتَةً فِي نَصْبِ أَبِي بَكْرٍ أَمِيرًا لِلنَّاسِ فِي حَجِّهِمْ، وَنَصْبِ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ مُبَلِّغًا نَقْضَ الْعَهْدِ فِي ذَلِكَ الْمَحْفَلِ، وَهِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ مَظْهَرًا لِصِفَةِ الرَّحْمَةِ وَالْجَمَالِ كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، وَمَا جَاءَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ أَحَالَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مَوْرِدُ رَحْمَةِ، وَلَمَّا كَانَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ الَّذِي هُوَ أَسَدُ اللهِ مَظْهَرَ جَلَالِهِ، فَوَّضَ إِلَيْهِ نَقْضَ عَهْدِ الْكَافِرِينَ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ الْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْقَهْرِ، فَكَانَا كَعَيْنَيْنِ فَوَّارَتَيْنِ يَفُورُ مِنْ إِحْدَاهُمَا صِفَةُ الْجَمَالِ، وَمِنَ الْأُخْرَى صِفَةُ الْجَلَالِ، فِي ذَلِكَ الْمَجْمَعِ الْعَظِيمِ الَّذِي كَانَ أُنْمُوذَجًا لِلْحَشْرِ وَمَوْرِدًا لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. انْتَهَى وَلَا يَخْفَى حُسْنُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيَانِ تَعْلِيلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اهـ. وَنَقُولُ: إِذَا كَانَ تَعْلِيلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِتَبْلِيغِ عَلِيٍّ نَبْذَ الْعُهُودِ عَنْهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُنَافِي أَنْ تَكُونَ النُّكْتَةُ الْمَذْكُورَةُ عِلَّةً، فَهُوَ لَا يَأْبَى أَنْ تَكُونَ حِكْمَةً.
وَرَأَيْتُ فِي مُصَنَّفٍ جَدِيدٍ لِبَعْضِ الشِّيعَةِ الْمُعَاصِرِينَ ضَرْبًا آخَرَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْبِيرِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فَعَلَ بِغَيْرِهَا مِنْ مَنَاقِبِهِ كَرَّمُ اللهُ وَجْهَهُ، مِنْ حَيْثُ يُصَغِّرُ مَنَاقِبَ الشَّيْخَيْنِ إِنْ لَمْ يَجِدْ شُبْهَةً أَوْ وَسِيلَةً لِإِنْكَارِهَا، حَتَّى إِنَّهُ جَعَلَ تَنْوِيهَ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِصُحْبَةِ الصَّدِيقِ الْأَكْبَرِ لِلرَّسُولِ الْأَعْظَمِ فِي هِجْرَتِهِ، وَإِثْبَاتَ مَعِيَّتِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا مَعًا فِي الْغَارِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا يُعَدُّ مَزِيَّةً لِلصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَلَوْلَا أَنَّهُمْ قَدْ نَشِطُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِدَعَايَةِ الرَّفْضِ وَالْبِدَعِ وَالصَّدِّ عَنِ السُّنَّةِ وَالطَّعْنِ فِي أَئِمَّتِهَا لَمَا جَعَلْنَا شُبْهَةَ التَّبْلِيغِ تَسْتَحِقُّ أَنْ تُذْكَرَ وَيُبَيَّنَ وَهَنُهَا.
ذَلِكَ بِأَنَّهُ اقْتَصَرَ مِنْ رِوَايَاتِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ عَنِ السُّدِّيِّ مِنْ قَوْلِهِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ - يَعْنِي مِنْ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) - بَعَثَ بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَمَّرَهُ عَلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا سَارَ فَبَلَغَ الشَّجَرَةَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ


الصفحة التالية
Icon