إِذَا كَانَتِ الْهَيْجَاءُ وَاشْتَجَرَ الْقَنَا | فَحَسْبُكُ وَالضَّحَّاكُ سَيْفٌ مُهَنَّدِ |
يَا مَنْ يُحَدِّثُ عَنْ عِلْمِ الْكِتَابِ أَصِخْ | هَذَا الْإِمَامُ الَّذِي قَدْ كَانَ يُنْتَظَرْ |
الْإِسْلَامِ: مَا كَانَ سِيبَوَيْهِ نَبِيَّ النَّحْوِ وَلَا مَعْصُومًا، بَلْ أَخْطَأَ فِي الْكِتَابِ (أَيْ كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ فِي النَّحْوِ) فِي ثَمَانِينَ مَوْضِعًا مَا تَفْهَمُهَا أَنْتَ. وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: يُفَسِّرُ سِيبَوَيْهِ. فَقَاطَعَهُ أَبُو حَيَّانَ، وَذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ بِكُلِّ سُوءٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الدُّرَرِ الْكَامِنَةِ. وَلَوْلَا تَعَصُّبُ هَؤُلَاءِ لِأَئِمَّةٍ فَنِّهِمْ لَمَا جَعَلُوا فَهْمَ سِيبَوَيْهِ حُجَّةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ أُصُولُ التَّوْحِيدِ مِنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْقُرْآنِ. وَلَوْلَا إِرَادَةُ التَّذْكِيرِ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا الْعُلَمَاءُ بِعَصَبِيَّتِهِمُ الْمَذْهَبِيَّةِ لِزُعَمَائِهِمْ لَمَا أَطَلْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
هَذَا وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ هُنَا جَمَاعَتُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا سِيَّمَا الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مِنْهُمْ، لَا فِي الْأَنْصَارِ وَحْدَهُمْ كَمَا قِيلَ هُنَا وَهُنَاكَ، فَإِنَّ جُلَّ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَ فِي شَأْنِ تِلْكَ الْغَزْوَةِ الْكُبْرَى كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَعَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عِنْدَمَا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ أَرْبَعِينَ نَسَمَةً، مِنْهُمْ سِتُّ نِسْوَةٍ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحَّحَهُ السُّيُوطِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَرَوَاهُ عَنْهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِثْلَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالسُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ إِلَّا فِي وَقْتِ نُزُولِ سُورَتِهَا، وَلَا الْمَعْنَى الْآخَرُ الْمَرْجُوحُ الَّذِي أَرَادَهُ وَاضِعُ الرِّوَايَةِ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ لَمْ تَتَحَقَّقْ بِهِمْ كِفَايَةُ الْإِحْسَابِ بِالنَّصْرِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُمْ وَاضْطِهَادُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلِ اضْطَرَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى الْهِجْرَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ الْخَاصَّةِ.
وَلَمَّا ضَمِنَ اللهُ تَعَالَى إِحْسَابَهُ لِنَبِيِّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ: