كَتَبَ الْأُسْتَاذُ إِدْوَارْ مُونْتِيهِ الْمُسْتَشْرِقُ مُدَرِّسُ اللُّغَاتِ الشَّرْقِيَّةِ فِي مَدْرَسَةِ جِنِيفَ الْجَامِعَةِ فِي مُقَدِّمَةِ تَرْجَمَتِهِ الْفَرَنْسِيَّةِ لِلْقُرْآنِ مَا تَرْجَمْتُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ.
((كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا صَادِقًا كَمَا كَانَ أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْقَدِيمِ، كَانَ مِثْلُهُمْ يُؤْتَى رُؤْيَا وَيُوحَى إِلَيْهِ، وَكَانَتِ الْعَقِيدَةُ الدِّينِيَّةُ وَفِكْرَةُ وُجُودِ الْأُلُوهِيَّةِ مُتَمَكِّنَتَيْنِ فِيهِ كَمَا كَانَتَا مُتَمَكِّنَتَيْنِ فِي أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ أَسْلَافِهِ، فَتُحْدِثُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ تُحْدِثُ فِيهِمْ
ذَلِكَ الْإِلْهَامَ النَّفْسِيَّ، وَهَذَا التَّضَاعُفُ فِي الشَّخْصِيَّةِ اللَّذَيْنِ يُحْدِثَانِ فِي الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ الْمَرَائِيَ، وَالتَّجَلِّيَاتِ، وَالْوَحْيَ، وَالْأَحْوَالَ الرُّوحِيَّةَ الَّتِي مِنْ بَابِهَا)) اهـ.
فَهَذَا الْعَالِمُ الْأُورُبِّيُّ الْمُسْتَقِلُّ الْفِكْرِ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ بِهِ أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْبِيَاءَ كَانَ ثَابِتًا لِمُحَمَّدٍ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ جَمِيعَ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ هِيَ أَكْمَلُ شَكْلًا وَمَوْضُوعًا وَأَصَحُّ رِوَايَةً وَأَبْعَدُ عَنِ الشُّبَهَاتِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ، وَأَمَّا مَا فُسِّرَ بِهِ هَذِهِ الْخَصَائِصُ فَهُوَ التَّعْلِيلُ الَّذِي يُعَلِّلُ بِهِ الْمَادِّيُّونَ الْوَحْيَ الْمُطْلَقَ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَصْلِ.
وَقَدْ لَخَّصَ هَذَا الْعَالِمُ خَبَرَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُتُبٍ إِسْلَامِيَّةٍ مُذْعِنًا لِصِحَّةِ رِوَايَتِهَا وَفَصَّلَهَا بَعْدَهُ الْعَالِمُ الْمُسْتَشْرِقُ الْفَرَنْسِيُّ إِمِيلْ دِرِمْنِغَامْ فِي كِتَابِهِ (حَيَاةُ مُحَمَّدٍ) مُذْعِنًا لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَلِمَوْضُوعِهَا مُفَصِّلًا نُبُوَّتَهُ فِي إِصْلَاحِ الْبَشَرِ، مُتَمَنِّيًا الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى، آسِفًا لِلشِّقَاقِ بَيْنَهُمْ.
وَإِنَّنَا نَنْقُلُ هُنَا تَعْرِيفَ الْوَحْيِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْآيَاتِ (الْعَجَائِبِ) عَنْ أَحَدِ عُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْعُلُومِ الْعَصْرِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ وَالتَّوَارِيخِ وَهُوَ الدُّكْتُورُ جُورْجُ بُوسْتِ الشَّهِيرُ مُؤَلِّفُ كِتَابِ (قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ) بِالْعَرَبِيَّةِ ; لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا الْبَاحِثُ الْمُسْتَقِلُّ الْعَقْلِ حُكْمَهُ فِي نُبُوَّةِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوُحْيِهِمْ، وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَالْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ.
تَعْرِيفُ الْوَحْيِ عِنْدَهُمْ
جَاءَ فِي تَفْسِيرِ كَلِمَةِ ((وَحْيٍ)) مِنْ قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مَا نَصُّهُ مَعَ حَذْفِ رُمُوزِ الشَّوَاهِدِ:
((تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى نُبُوَّةٍ خَاصَّةٍ بِمَدِينَةٍ أَوْ شَعْبٍ، وَجَاءَ فِي (حَزَّ ١٢: ١) وَهَذَا الْوَحْيُ هُوَ الرَّئِيسُ)) أَيْ أَنَّهُ آيَةٌ لِلشَّعْبِ. وَعَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ بِالْوَحْيِ الْإِلْهَامُ. وَعَلَى ذَلِكَ