عَلَى يَدِهِ أَوْ فِيهِ. وَالْعَجِيبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ فَوْقَ الطَّبِيعَةِ لَا ضِدُّهَا تَحْدُثُ بِتَوْقِيفِ نَوَامِيسِ الطَّبِيعَةِ لَا بِمُعَاكَسَتِهَا، وَهِيَ إِظْهَارُ نِظَامٍ أَعْلَى مِنَ الطَّبِيعَةِ يَخْضَعُ لَهُ النِّظَامُ الطَّبِيعِيُّ، وَلَنَا فِي فِعْلِ الْإِرَادَةِ مِثَالٌ يُظْهِرُ لَنَا حَقِيقَةَ أَمْرِ الْعَجَائِبِ إِذْ بِهَا نَرْفَعُ الْيَدَ وَبِذَلِكَ نُوقِفُ نَامُوسَ الثِّقَلِ وَيَتَسَلَّطُ اللهُ عَلَى قُوَى الطَّبِيعَةِ، وَيُرْشِدُهَا، وَيَمُدُّ مَدَارَهَا أَوْ يَحْصُرُهُ ; لِأَنَّهَا عَوَامِلُ لِمَشِيئَتِهِ وَيُنَاطُ فِعْلُ الْعَجَائِبِ بِاللهِ وَحْدَهُ أَوْ بِمَنْ سَمَحَ لَهُ بِذَلِكَ.
وَإِذَا آمَنَّا بِالْإِلَهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يَعْسُرْ عَلَيْنَا التَّسْلِيمُ بِإِمْكَانِ الْعَجَائِبِ. وَكَانَتِ الْعَجِيبَةُ الْأَوْلَى خَلِيقَةَ الْكَوْنِ مِنَ الْعَدَمِ بِإِرَادَتِهِ تَعَالَى. أَمَّا الْمَسِيحُ فَأُقْنُومُهُ عَجِيبَةٌ أَدَبِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَعَجَائِبُهُ لَمْ تَكُنْ إِلَّا إِظْهَارَ هَذَا الْأُقْنُومِ وَأَعْمَالِهِ، وَإِذَا آمَنَّا بِالْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ الْعَدِيمِ الْخَطِيَّةِ لَمْ يَعْسُرْ عَلَيْنَا تَصْدِيقُ عَجَائِبِهِ. أَمَّا الشَّيْطَانُ فَعَجَائِبُهُ كَذَّابَةٌ.
وَلَابُدَّ مِنَ الْعَجَائِبِ لِتَعْزِيزِ الدِّيَانَةِ، فَكَثِيرًا مَا يَسْتَشْهِدُ الْمَسِيحُ بِعَجَائِبِهِ لِإِثْبَاتِ هُوَّتِهِ وَكَوْنِهِ الْمَسِيحَ، وَكَانَ يَفْعَلُهَا لِتَمْجِيدِ اللهِ وَلِمَنْفَعَةِ نُفُوسِ النَّاسِ وَأَبْدَانِهِمْ، كَانَ يَفْعَلُهَا ظَاهِرًا أَمَامَ جَمَاهِيرِ أَصْحَابِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهَا أَعْدَاؤُهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ نَسَبُوهَا لِبَعْلَزْبُولَ، وَسَوَاءٌ امْتَحَنَّاهَا بِالشَّهَادَةِ مِنَ الْخَارِجِ، وَبِمُنَاسَبَتِهَا إِلَى إِرْسَالِيَّتِهِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لِكُلِّ مَنْ كَانَ خَالِيًا مِنَ الْغَرَضِ صَحِيحَةً. فَإِذَا لَمْ نُسَلِّمْ بِصِحَّتِهَا الْتَزَمْنَا أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ مُقَرِّرِيهَا كَذَّابُونَ ; الْأَمْرُ الَّذِي لَا يَسُوغُ ظَنُّهُ بِالْمَسِيحِ وَالرُّسُلِ.
وَبَقِيَتْ قُوَّةُ الْعَجَائِبِ فِي عَصْرِ الرُّسُلِ، وَلَمَّا امْتَدَّتِ الدِّيَانَةُ الْمَسِيحِيَّةُ زَالَ الِاضْطِرَارُ إِلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُنَا الْآنَ سِوَى الْعَجَائِبِ الْأَدَبِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ هَذِهِ الدِّيَانَةِ مَعَ الشَّوَاهِدِ الدَّاخِلِيَّةِ عَلَى صِحَّتِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ)) اهـ.
ثُمَّ وَضَعَ الْمُؤَلِّفُ حُلُولًا أَحْصَى فِيهِ عَجَائِبَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ خَرَابِ سَدُومَ
وَعَمُّورَةَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ إِلَى ((خَلَاصِ يُونَانَ (يُونُسَ) بِوَاسِطَةِ حُوتٍ)) فَبَلَغَتْ ٦٧ عَجِيبَةً، وَقَفَّى عَلَيْهِ بِجَدْوَلِ الْعَجَائِبِ الْمَقْرُونَةِ بِحَيَاةِ الْمَسِيحِ مِنَ الْحَبَلِ بِهِ ((بِفِعْلِ الرُّوحِ الْقُدُسِ)) إِلَى ((الصُّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ)) فَبَلَغَتْ ٣٧، وَعَزَّزَ الْجَدْوَلَيْنِ بِثَالِثٍ فِي ((الْعَجَائِبِ الَّتِي جَرَتْ فِي عَصْرِ الرُّسُلِ)) أَيِ الَّذِينَ بَثُّوا دَعْوَةَ الْمَسِيحِ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ((انْسِكَابِ الرُّوحِ الْقُدُسِ يَوْمَ الْخَمِيسِ)) إِلَى ((شِفَاءِ أَبِي بُوبْلِيُوسَ وَغَيْرِهِ)) فَكَانَتْ عِشْرِينَ. وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ صَنَعَ عَجَائِبَ.


الصفحة التالية
Icon