دُعَاةٌ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَإِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِلَى تَرْكِ الشُّرُورِ وَالرَّذَائِلِ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ مُبَلِّغُونَ عَنِ اللهِ تَعَالَى مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، كَمَا أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِمْ حُكَمَاءُ يَبْنُونَ إِرْشَادَهُمْ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَيَضُرُّهُمْ بِحُكْمِ الْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ - وَوُجِدَ فِي جَمِيعِ مَا نُقِلَ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ أُمُورٌ مُخَالِفَةٌ لِلْعَقْلِ وَلِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَأُمُورٌ خَاصَّةٌ بِأَهْلِهَا وَبِزَمَانِهِمْ، وَخُرَافَاتٌ يُنْكِرُهَا الْعَقْلُ وَيَنْقُضُهَا الْعِلْمُ.
وَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ وَنَبِيُّهُ هُوَ الدِّينَ الْوَحِيدَ الَّذِي عُرِفَتْ حَقِيقَتُهُ وَتَارِيخُهُ بِالتَّفْصِيلِ فَإِنَّنَا نَذْكُرُ هُنَا شُبْهَةَ عُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ الْمَادِّيِّينَ وَمُقَلِّدَتِهِمْ عَلَيْهِ، بَعْدَ مُقَدِّمَةٍ فِي شَهَادَتِهِمُ الْإِجْمَالِيَّةِ لَهُ، تَمْهِيدًا لِدَحْضِ الشُّبْهَةِ، وَنُهُوضِ الْحُجَّةِ، فَنَقُولُ:
(دَرْسُ عُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ لِلسِّيرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَشَهَادَتُهُمْ بِصِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
دَرَسَ عُلَمَاءُ الْإِفْرِنْجِ تَارِيخَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي النَّقْدِ وَالتَّحْلِيلِ، وَدَرَسُوا السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ وَفَلَوْهَا فَلْيًا وَنَقَشُوهَا بِالْمَنَاقِيشِ، وَقَرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُغَتِهِ وَقَرَءُوا مَا تَرْجَمَهُ بِهِ أَقْوَامُهُمْ، وَكَانُوا عَلَى عِلْمٍ مُحِيطٍ بِكُتُبِ الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، وَتَارِيخِ الْأَدْيَانِ وَلَا سِيَّمَا الدِّيَانَتَيْنِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَبِمَا كَتَبَهُ الْمُتَعَصِّبُونَ لِلْكَنِيسَةِ مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ مِمَّا أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِهِ آنِفًا، فَخَرَجُوا مِنْ هَذِهِ الدُّرُوسِ كُلِّهَا بِالنَّتِيجَةِ الْآتِيَةِ:
(إِنَّ مُحَمَّدًا كَانَ سَلِيمَ الْفِطْرَةِ، كَامِلَ الْعَقْلِ، كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ، صَادِقَ الْحَدِيثِ، عَفِيفَ النَّفْسِ، قَنُوعًا بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ، غَيْرَ طَمُوعٍ بِالْمَالِ وَلَا جَنُوحٍ إِلَى الْمُلْكِ، وَلَا يُعْنَى بِمَا كَانَ يُعْنَى بِهِ قَوْمُهُ مِنَ الْفَخْرِ، وَالْمُبَارَاةِ فِي تَحْبِيرِ الْخُطَبِ وَقَرْضِ الشِّعْرِ، وَكَانَ يَمْقُتُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَخُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ، وَيَحْتَقِرُ مَا يَتَنَافَسُونَ فِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ، كَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَبِهَذَا كُلِّهِ وَبِمَا ثَبَتَ مِنْ سِيرَتِهِ وَيَقِينِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ جَزَمُوا بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِيمَا ادَّعَاهُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ سِنِّهِ مِنْ رُؤْيَةِ مَلَكِ الْوَحْيِ، وَإِقْرَائِهِ إِيَّاهُ هَذَا الْقُرْآنَ، وَإِنْبَائِهِ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ لِهِدَايَةِ قَوْمِهِ فَسَائِرِ النَّاسِ).
وَزَادَهُمْ ثِقَةً بِصِدْقِهِ أَنْ كَانَ أَوَّلُ النَّاسِ إِيمَانًا بِهِ وَاهْتِدَاءً بِنُبُوَّتِهِ أَعْلَمَهُمْ بِدَخِيلَةِ أَمْرِهِ، وَأَوَّلُهُمْ زَوْجُهُ خَدِيجَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْعَقْلِ وَالنُّبْلِ وَالْفَضِيلَةِ، وَمَوْلَاهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الَّذِي اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَنْ يَلْحَقَ بِوَالِدِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَيَكُونَ مَعَهُمْ حُرًّا، ثُمَّ إِنْ كَانَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْعَرَبِ حُرِّيَّةً وَاسْتِقْلَالًا فِي الرَّأْيِ وَلَا سِيَّمَا أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِأَنَّ لِلْبَشَرِ أَرْوَاحًا خَالِدَةً مِنْ هَؤُلَاءِ الْإِفْرِنْجِ فَقَدْ آمَنُوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عِلْمٍ وَبُرْهَانٍ، وَهُمْ يَزِيدُونَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، بِقَدْرِ مَا يُتَاحُ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْمَادِّيُّونَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ تَفْسِيرٍ لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي


الصفحة التالية
Icon