وَيَكُونُ الْوَاجِبُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَوْلَاهُمْ بِالِاتِّبَاعِ بِعُنْوَانِ (سَيِّدِ الْبَشَرِ وَحَكِيمِهِمُ الْأَعْظَمِ).
وَإِنَّنَا رَأَيْنَا بَعْضَ الْمُنْصِفِينَ مِنَ الْوَاقِفِينَ عَلَى السِّيرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ الْقُرْآنَ فِي الْجُمْلَةِ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا قَوْلًا وَكِتَابَةً (مِنْهُمْ) الْأُسْتَاذُ مُولَرِ الْإِنْكِلِيزِيُّ الْمَشْهُورُ، وَمِنْهُمْ ذَلِكَ الْفَيْلَسُوفُ الطَّبِيبُ السُّورِيُّ الْكَاثُولِيكِيُّ النَّشْأَةِ الَّذِي رَأَى فِي مَجَلَّةِ الْمَنَارِ بَعْضَ الْمَنَاقِبِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَكَتَبَ إِلَيْنَا كِتَابًا يَقُولُ فِي أَوَّلِهِ: أَنْتَ تَنْظُرُ إِلَى مُحَمَّدٍ كَنَبِيٍّ فَتَرَاهُ عَظِيمًا، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ كَرَجُلٍ فَأَعُدُّهُ أَعْظَمَ، وَذَكَرَ أَبْيَاتًا فِي وَصْفِهِ وَوَصْفِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُحْكَمِ الْآيَاتِ، الْمَانِعَةِ لِمَنْ عَقَلَهَا مِنْ تَقْيِيدِ الْعُمْرَانِ بِالْعَادَاتِ، وَإِصْلَاحِهِ لِلْبَشَرِ بِحِكْمَةِ بَيَانِهِ وَقُوَّةِ بَنَانِهِ، وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ:

بِبَيَانِهِ أَرْبَى عَلَى أَهْلِ النُّهَى وَبِسَيْفِهِ أَنْحَى عَلَى الْهَامَاتِ
مِنْ دُونِهِ الْأَبْطَالُ فِي كُلِّ الْوَرَى مِنْ سَابِقٍ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ آتٍ
وَالْمُؤْمِنُونَ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ مِنْ أَحْرَارِ مُفَكِّرِي الشُّعُوبِ كُلِّهَا كَثِيرُونَ، وَلَكِنَّ الْجَاحِدِينَ لِوُجُودِ رَبٍّ مُدَبِّرٍ لِلْعَالَمِينَ قَلِيلُونَ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحَجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي نَشْأَتِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ صِدْقِهِ الْفِطْرِيِّ الْمَطْبُوعِ، ثُمَّ بِمَا جَاءَ بِهِ فِي سِنِّ الْكُهُولَةِ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ الْمُصْلِحَةِ لِجَمِيعِ شُئُونِ الْبَشَرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ إِذَا عَقَلُوهَا وَاهْتَدَوْا بِهَا، وَإِسْنَادِهِ إِيَّاهَا إِلَى الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ، فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَزَايَاهُ هَذِهِ حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ، بَلْ مَجْمُوعَةُ حُجَجٍ عَقْلِيَّةٍ وَطَبِيعِيَّةٍ - وَهَاكَ أَيُّهَا الْقَارِئُ مَا أَزُفُّهُ إِلَيْكَ مِنْ قَوَاعِدِ تِلْكَ الْعُلُومِ الْإِصْلَاحِيَّةِ بَعْدَ تَمْهِيدٍ وَجِيزٍ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ وَحِكْمَةِ جَعْلِ تِلْكَ الْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ مُتَفَرِّقَةً فِي سُورِهِ بِأُسْلُوبِهِ الْغَرِيبِ الْعَجِيبِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا نُعِيدُهُ مَعَ زِيَادَةٍ مُفِيدَةٍ وَإِيضَاحٍ اقْتِدَاءً بِأُسْلُوبِ الْقُرْآنِ نَفْسِهِ فِي تَكْرَارِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي الْمَوَاقِعِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ مِنْ إِيجَازٍ أَوْ إِسْهَابٍ، وَتَفْصِيلٍ أَوْ إِجْمَالٍ.
(أُسْلُوبُ الْقُرْآنِ الْخَاصِّ وَحِكْمَتُهُ وَإِعْجَازُهُ بِهِ)
لَوْ أَنَّ عَقَائِدَ الْإِسْلَامِ الْمُنَزَّلَةَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَدَارِ الثَّوَابِ وَدَارِ الْعِقَابِ جُمِعَتْ وَحْدَهَا مُرَتَّبَةً فِي ثَلَاثِ سُوَرٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مَثَلًا كَكُتُبِ الْعَقَائِدِ الْمُدَوَّنَةِ - وَلَوْ أَنَّ عِبَادَاتِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ وُضِعَ كُلٌّ مِنْهَا فِي بِضْعِ سُوَرٍ أَيْضًا كَكُتُبِ الْفِقْهِ الْمُصَنَّفَةِ - وَلَوْ أَنَّ آدَابَهُ وَحِكَمَهُ وَفَضَائِلَهُ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ، وَمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الرَّذَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ، أُفْرِدَتْ هِيَ وَمَا يَقْتَضِيهِ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالنُّذُرِ وَالْأَمْثَالِ الْبَاعِثَةِ لِشُعُورَيِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فِي بِضْعِ سُوَرٍ أُخْرَى كَكُتُبِ


الصفحة التالية
Icon