الْآنَ (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) جَمْعُ سَمِينَةٍ وَكَذَا سَمِينٌ كَمَا يُقَالُ: رِجَالٌ وَنِسَاءٌ كِرَامٌ وَحِسَانٌ (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) أَيْ سَبْعُ بَقَرَاتٍ مَهَازِيلَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْهُزَالِ، وَهُوَ جَمْعُ عَجْفَاءَ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا فَإِنَّ جَمْعَ أَفْعَلِ وَفَعْلَاءِ وِزَانُ فُعْلِ بِالضَّمِّ كَحُمْرِ وَخُضْرِ، وَحُسْنُهُ هُنَا مُنَاسَبَتُهُ لِـ ((سِمَانٍ)). (وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ) عَطْفٌ عَلَى (سَبْعَ بَقَرَاتٍ) وَهِيَ جَمْعُ سُنْبُلَةٍ كَقُنْفُدَةٍ: مَا يُخْرِجُهُ الزَّرْعُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْحَبُّ (وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالْيَابِسُ مِنَ السُّنْبُلِ مَا آنَ حَصَادُهُ، وَاسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَةِ ((سَبْعِ)) هُنَا بِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ فِي الْبَقَرَاتِ عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ يُخَاطِبُ رِجَالَ دَوْلَتِهِ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) مَا مَعْنَاهَا وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَآلًا لَهَا (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) أَيْ تَعْبُرُونَهَا بِبَيَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الْمُرَادِ مِنَ الْمَعْنَى الْخَيَالِيِّ، كَمَنْ يَعْبُرُ النَّهْرَ بِالِانْتِقَالِ مِنْ ضَفَّةٍ إِلَى أُخْرَى، فَاللَّامُ فِيهَا لِلْبَيَانِ وَالتَّقْوِيَةِ، فَعَبْرُهَا وَعُبُورُهَا بِمَعْنَى... تَأْوِيلِهَا، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَآلِهَا الَّذِي يَقَعُ بَعْدُ.
(قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) أَيْ هِيَ، أَوْ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنْ جِنْسِ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، أَيِ الْأَحْلَامِ الْمُخْتَلَطَةِ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْأَخْيِلَةِ الَّتِي يَتَصَوَّرُهَا الدِّمَاغُ فِي النَّوْمِ فَلَا تَرْمِي إِلَى مَعْنًى مَقْصُودٍ، وَأَصْلُ الْأَضْغَاثِ جَمْعُ ضِغْثٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحُزْمَةُ مِنَ النَّبَاتِ أَوِ الْعِيدَانِ، وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلُمٍ بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ مَا يُرَى فِي النَّوْمِ. يُقَالُ: حَلَمَ كَنَصَرَ وَاحْتَلَمَ، وَمِنْهُ بُلُوغُ الْحُلُمِ، وَالْحُلُمُ قَدْ يَكُونُ وَاضِحَ الْمَعْنَى كَالْأَفْكَارِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ، وَقَدْ يَكُونُ - وَهُوَ الْأَكْثَرُ - مُشَوَّشًا مُضْطَرِبًا لَا يُفْهَمُ لَهُ مَعْنًى وَهُوَ الَّذِي يُشَبَّهُ بِالتَّضَاغِيثِ، كَأَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُزَمٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْعِيدَانِ وَالْحَشَائِشِ الَّتِي لَا تَنَاسُبَ بَيْنَهَا، وَهُوَ مَا تَبَادَرَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ مِنْ نَوْعَيِ الْبَقَرِ وَالسَّنَابِلِ (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُمْ هَذَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأُولِي عِلْمٍ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحْلَامِ الْمُخْتَلِطَةِ الْمُضْطَرِبَةِ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَنَامَاتِ الْمَعْقُولَةِ الْمَفْهُومَةِ، وَيُحْتَمَلُ نَفْيُ الْعِلْمِ بِجِنْسِ الْأَحْلَامِ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ، أَوْ مِمَّا لَا يَكُونُ لَهُ مَعْنًى بَعِيدٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ الصُّوَرُ الْمُتَخَيَّلَةُ فِي النَّوْمِ تَنْتَهِي إِلَيْهِ، كَمَا يُنْكِرُ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْآنَ أَنْ
يَكُونَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرُّؤَى وَالْأَحْلَامِ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ قُدَمَاءَ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا يَعْنُونَ بِهَا. وَسَنُبَيِّنُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ الْكُلِّيَّةِ لِتَفْسِيرِ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ صَاحِبَيِ السِّجْنِ، وَهُوَ السَّاقِي أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِصَّةِ (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ بَعْدَ طَائِفَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَنِ وَصِيَّةَ يُوسُفَ إِيَّاهُ بِأَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ سَيِّدِهِ الْمَلِكِ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ (وَأَصْلُ ادَّكَرَ اذْتَكَرَ) افْتِعَالٌ مِنَ الذِّكْرِ أُبْدِلَتْ تَاؤُهُ دَالًا مُهْمَلَةً لِقُرْبِ مَخْرَجِهِمَا وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الذَّالُ الْمُعْجَمَةُ، وَهُوَ الْفَصِيحُ، وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ لُغَةٌ. (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَوْ بِمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ تَأْوِيلِهِ فَأَرْسَلُونِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى السِّجْنِ فَهُوَ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السِّجْنَ كَانَ خَارِجَ


الصفحة التالية
Icon