يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ إِلَخْ، وَمِنْ وَصْفِهِمْ بِالْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (٨: ٧٢) فَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُؤْمِنِ وَلِيًّا لِلْمُؤْمِنِ إِلَّا هَذَا، أَيْ إِنَّهُ عَوْنٌ لَهُ وَنَصِيرٌ فِي الْحَقِّ الَّذِي يَعْلُو بِهِ شَأْنُ الْإِيمَانِ وَأَهْلُهُ، فَمَنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ فَاتَّخَذَ لَهُ وَلِيًّا أَوْ أَوْلِيَاءَ يُعْتَقَدُ أَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ شَيْئًا
مِنْ أُمُورِهِ فِيمَا وَرَاءَ هَذَا التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ أَشْرَكُ ; إِذِ اعْتَدَى عَلَى وِلَايَةِ اللهِ الْخَاصَّةِ بِهِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ لَا بِالتَّوَسُّطِ عِنْدَهُ وَلَا الِاسْتِقْلَالِ دُونَهُ.
هَذَا الْمَعْنَى هُوَ عَيْنُ وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلطَّاغُوتِ كَمَا قَالَ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى [٣٩: ٣] وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُسَمَّى بِالطَّاغُوتِ بَعْضُ مَنِ اتَّخَذَ وَلِيًّا بِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا هَذِهِ الْوِلَايَةَ لِعِيسَى وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّالِحِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اتَّبَعُوا وَحْيَ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَوَسَاوِسِهِمْ، فَهُمْ طَاغُوتُهُمْ كَمَا قَالَ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [٦: ١٢١] الْآيَةَ وَقَالَ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [٦: ١١٢] وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لِيَتَبَرَّأُ مِنْ بَعْضٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا عُلِمَ مِنَ الْآيَاتِ الْأُخْرَى، وَمِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ تَعْلَمُ أَنَّ الْقُرْآنَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسْنَدَ وِلَايَةَ اللهِ الْخَاصَّةِ إِلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَوْغَلَ بَعْضُ مُتَّخِذِي الْأَوْلِيَاءِ فِي دُعَاءِ أَوْلِيَائِهِمْ وَمُطَالَبَتِهِمْ بِمَا لَا يُطْلَبُ إِلَّا مِنَ اللهِ - تَعَالَى - حَتَّى صَارَ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَيَكْتُبُ أَنَّ فُلَانًا الْوَلِيَّ يُمِيتُ وَيُحْيِي وَيُسْعِدُ وَيُشْقِي وَيُفْقِرُ وَيُغْنِي، فَعَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ وَلَا يَغُرَّنَّكَ تَأْوِيلُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.


الصفحة التالية
Icon