إِنْ رَضُوا وَإِلَّا فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ ". وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
وَفِي الْآيَةِ أَنَّ الرِّبَا حُرِّمَ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَلَكِنْ بَعْضُ مَا يَعُدُّهُ الْفُقَهَاءُ مِنْهُ لَا ظُلْمَ فِيهِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ لِلْآخِذِ وَالْمُعْطِي.
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ أَيْ وَإِنْ وُجِدَ غَرِيمٌ مُعْسِرٌ مِنْ غُرَمَائِكُمْ فَأَنْظِرُوهُ وَأَمْهِلُوهُ إِلَى وَقْتٍ يَسَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْأَدَاءِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَنَافِعٌ (مُيْسَرَةٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - وَهِيَ لُغَةٌ كَالْفَتْحِ الَّذِي قَرَأَ بِهِ الْبَاقُونَ. رُوِيَ أَنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَالُوا لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ فِي الْقِصَّةِ السَّابِقَةِ: نَحْنُ الْيَوْمَ أَهْلُ عُسْرَةٍ فَأَخِّرُونَا إِلَى أَنْ تُدْرَكَ الثَّمْرَةُ فَأَبَوْا ; فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي قِصَّتِهِمْ كَالْآيَتَيْنِ قَبْلَهَا وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ أَصْلُ تَصَدَّقُوا تَتَصَدَّقُوا قَرَأَ عَاصِمٌ - بِتَخْفِيفِ الصَّادِ - بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِهَا لِلْإِدْغَامِ ; أَيْ: وَتَصَدُّقُكُمْ عَلَى الْمُعْسِرِ بِوَضْعِ الدَّيْنِ عَنْهُ وَإِبْرَائِهِ مِنْهُ - خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْظَارِهِ، فَهُوَ نَدْبٌ إِلَى الصَّدَقَةِ وَالسَّمَاحِ لِلْمَدِينِ الْمُعْسِرِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَاطُفِ وَالتَّرَاحُمِ بَيْنَ النَّاسِ وَبِرِّ
بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ هَنَاءِ الْمَعِيشَةِ وَحُسْنِ حَالِ الْأُمَّةِ ; وَلِذَلِكَ نَبَّهَ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ وَجْهَ الْخَيْرِيَّةِ فِي شَيْءٍ؛ لَا يَعْمَلُهُ، وَمَنْ عَلِمَ حَتْمًا ; أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ عَمِلْتُمْ بِهِ وَعَامَلْتُمْ إِخْوَانَكُمْ بِالْمُسَامَحَةِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَهْدِيكُمْ إِلَى خَيْرِ الْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُ بَعْضَكُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَجْعَلُكُمْ مُتَحَابِّينَ مُتَوَادِّينَ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ مُطْلَقًا، وَبَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي دَيْنِ الرِّبَا خَاصَّةً. وَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْوَاجِبَ يَفْضُلُهُ شَيْءٌ مَنْدُوبٌ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْمُعْسِرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ اتِّفَاقًا. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَدُّقِ هُنَا الْإِنْظَارُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: وَهَذَا الْإِنْظَارُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ خَيْرٌ لَكُمْ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ.
ثُمَّ خَتَمَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - آيَاتِ الرِّبَا بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تُسَهِّلُ عَلَى الْمُؤْمِنِ إِذَا وَعَاهَا السَّمَاحَ بِالْمَالِ، بَلْ وَبِالنَّفْسِ رَجَاءَ أَنْ يَلْقَى اللهَ - تَعَالَى - عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَقَالَ: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: (تَرْجِعُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مَنْ رَجَعَ. وَالْبَاقُونَ: تُرْجَعُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ أَرْجَعَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ; أَيْ وَاحْذَرُوا يَوْمًا عَظِيمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ مِنْ غَفَلَاتِكُمْ وَشَوَاغِلِ الْحَيَاةِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تَشْغَلُكُمْ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ فَتَصِيرُونَ إِلَى اللهِ، أَيْ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعِلْمِ وَالشُّعُورِ بِأَنَّهُ لَا سُلْطَانَ إِلَّا سُلْطَانُهُ وَلَا مُلْكَ إِلَّا لَهُ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ مَبْسُوطًا: أَمَّا حَقِيقَةُ الرُّجُوعِ


الصفحة التالية
Icon