زَمَنٌ رَأَيْتُ بِهِ الْعَجَائِبْ وَذُهِلْتُ فِيهِ مِنَ الْغَرَائِبْ
زَمَنٌ بِهِ الْوَهْمُ السَّخِي فُ عَلَى عُقُولِ النَّاسِ غَالِبْ
أَفَلَا تَرَاهُمْ جَانَبُوا كَسْبَ الْمَعَارِفِ وَالْمَآدِبْ
وَرَضُوا بِأَوْرَاقٍ تُخَطُّ خُطُوطُهَا مِثْلُ الْعَقَارِبْ
يَشْهَدْنَ زُورًا أَنَّ مَنْ هِيَ بِاسْمِهِ نُورُ الْغَيَاهِبْ
عَلَّامَةُ الْعُلَمَاءِ أَوْ بَلَّاغُ دَوْلَتِهِ الْمَآرِب
وَيَكُونُ أَجْهَلَ جَاهِلٍ ولِمَا لَهَا بالْغِشِّ نَاهِبْ
أَوْ أَنَّهُ حَدَثٌ عَلَى فَخِذَيْهِ خَرْءُ اللَّيْلِ لَازِبْ
ثُمَّ هَزَأَ النَّاظِمُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَسَاوِي التَّشْرِيفِ الْعِلْمِيَّةِ وَشَبَّهَهَا - وَهِيَ عَلَى الْعُلَمَاءِ - بِالسُّرُوجِ (الْمُزَرْكَشَةِ) عَلَى الدَّوَابِّ " وَالسُّيُورِ عَلَى الْقَبَاقِبِ " إِلَى أَنْ قَالَ:
ضَحِكَتْ عَلَيْهِمْ دَوْلَةٌ هَرِمَتْ وَقَارَبَتِ الْمَعَاطِبْ
عَلَى أَنَّهُ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حَمَلَةِ هَاتِيكَ الْأَوْرَاقِ، وَالْمُتَزَيِّنِينَ بِتِلْكَ الْكَسَاوِي الْمُوَشَّاةِ وَالْمُتَحَلِّينَ بِتِلْكَ الْأَوْسِمَةِ الْبَرَّاقَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ السُّلْطَانِ مُعْطِيهَا بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَيُضَلِّلُونَ مَنْ يَطْلُبُ إِصْلَاحَ حَالِ الدَّوْلَةِ تَضْلِيلًا؟ فَهَلْ يُوثَقُ بِعِلْمِ عَالِمٍ مُقَرَّبٍ مِنَ الْمُسْتَبِدِّينَ أَوْ بِدِينِهِ؟
إِنَّ عُلَمَاءَ السَّلَفِ كَانُوا يَهْرُبُونَ مِنْ قُرْبِ الْأُمَرَاءِ الْمُسْتَبِدِّينَ أَشَدَّ مِمَّا يَهْرُبُونَ مِنَ الْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ أَخْبَارًا، وَآثَارًا كَثِيرَةً: مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ - زَادَ فِي رِوَايَةٍ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ - فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْحَوْضِ الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا، وَالْبَيْهَقِيُّ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ يَمْلِكُونَ أَرْزَاقَكُمْ يُحَدِّثُونَكُمْ فَيَكْذِبُونَكُمْ، وَيَعْمَلُونَ فَيُسِيئُونَ الْعَمَلَ، لَا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ حَتَّى تَحَسِّنُوا قَبِيحَهُمْ وَتُصَدِّقُوا كَذِبَهُمْ، فَأَعْطُوهُمُ الْحَقَّ مَا رَضُوا بِهِ، فَإِذَا تَجَاوَزُوا فَمَنْ قُتِلَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي سُلَالَةٍ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ: يَمْلِكُونَ أَرْزَاقَكُمْ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَشْهُورُ: " الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ عَلَى عِبَادِ اللهِ مَا لَمْ يُخَالِطُوا السُّلْطَانَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ خَانُوا الرُّسُلَ فَاحْذَرُوهُمْ وَاعْتَزِلُوهُمْ " رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الْمُصَنَّفِ، وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ، وَكَذَا الْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ، وَأَبُو نَعِيمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ


الصفحة التالية
Icon