تَقْطَعُوهَا، أَوِ اتَّقُوا إِضَاعَةَ حَقِّ الْأَرْحَامِ بِأَنْ تَصِلُوهَا، وَلَا تَقْطَعُوهَا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي (بِهِ)، وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ. وَجَوَّزَ الْوَاحِدِيُّ نَصْبَهُ بِالْإِغْرَاءِ كَالْقَوْلِ الْمَأْثُورِ عَنْ عُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ. أَيِ الْزَمِ الْجَبَلَ وَلُذْ بِهِ. وَالْمَعْنَى: وَاحْفَظُوا الْأَرْحَامَ، وَأَدُّوا حُقُوقَهَا. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَحْدَهُ بِالْجَرِّ، قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْرِيرِ الْجَارِّ، أَيْ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ، وَقَدْ سُمِعَ عَطْفُ الِاسْمِ الْمُظْهَرِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ إِعَادَةِ الْجَارِّ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ:
نُعَلِّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا | وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعْبِ غُوطٌ نَفَانِفُ |
فَالْيَوْمَ قَدْ بِتَّ تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا | فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ |
هَذَا، وَإِنَّ الْمُنْكِرِينَ عَلَى حَمْزَةَ جَاهِلُونَ بِالْقِرَاءَاتِ، وَرِوَايَاتِهَا مُتَعَصِّبُونَ لِمَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ النُّحَاةِ، وَالْكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ مِثْلَ هَذَا الْعَطْفِ مَقِيسًا، وَرَجَّحَ مَذْهَبَهُمْ هَذَا بَعْضُ أَئِمَّةِ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَطَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ.
وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، فَقَالُوا: إِنَّ ذِكْرَهُ فِي مَقَامِ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى، وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا مُخِلٌّ بِالْبَلَاغَةِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ، ثُمَّ إِنَّ فِيهِ تَقْرِيرًا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنَ التَّسَاؤُلِ بِالْأَرْحَامِ كَمَا يُتَسَاءَلُ بِاللهِ - تَعَالَى -، وَهَذَا مِمَّا
مَنَعَهُ الْإِسْلَامُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذِكْرَ التَّسَاؤُلِ بِالْأَرْحَامِ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا مِنْ مَقَامِ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى هُنَا ; لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ تَمْهِيدٌ لِحِفْظِ حُقُوقِ الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ، وَالْتِزَامِ الْأَحْكَامِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا السُّورَةُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ قَدْ أَرْجَعَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ إِلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ بِجَعْلِ نَصْبِ (وَالْأَرْحَامَ) بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: