مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَاطِلٌ. وَعَدُّوا مِنْ هَذَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. وَإِطْلَاقُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِبَاحَةُ، وَكَذَلِكَ الشُّرُوطُ،
وَلَا سِيَّمَا الْعُقُودُ وَالشُّرُوطُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَالْحَظْرُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَيُؤَيِّدُ إِطْلَاقَ الْآيَةِ حَدِيثُ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ، بِزِيَادَةِ " إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ يَعْتَضِدُ - كَمَا قِيلَ - بِحَدِيثِ " النَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَتِ الْحَقَّ " رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْ حَدِيثِ الصُّلْحِ الَّذِي ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، بِدُونِ زِيَادَةِ " الشُّرُوطِ " وَعَلَّمَ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ.
وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بِرَيْرَةَ وَهُوَ: " مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ هُنَا حَاصِلُ الْمَصْدَرِ ; أَعْنِي: الْمَشْرُوطَ لَا الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ الِاشْتِرَاطُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، وَأَذِنَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِمُكَاتَبِي بِرَيْرَةَ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْإِنْكَارِ، كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي بَيَانِ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ: مَا خَالَفَهُ. كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ سَبَبِ الْحَدِيثِ، وَإِلَّا كَانَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى الظَّاهِرِيَّةَ ; لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي الْعُقُودِ شُرُوطًا لَا ذِكْرَ لَهَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ - تَعَالَى - شُرُوطٌ لِأَنْوَاعِ الْعُقُودِ فَيُكْتَفَى بِهَا وَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَلَّا يَشْتَرِطَ أَحَدٌ شَرْطًا يُحِلُّ مَا حَرَّمَهُ كِتَابُ اللهِ أَوْ يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّهُ، فَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ؛ إِذْ فِي كِتَابِ اللهِ مَا يُخَالِفُهُ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَا أَبَاحَهُ كِتَابُ اللهِ - تَعَالَى - بِالنَّصِّ أَوْ الِاقْتِضَاءِ فَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَحْثٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي مَسْأَلَةٍ دِينِيَّةٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ الْمُكَاتَبَةُ