الْقُرْآنُ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ، فَالْعَالِمُ بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ عَالِمٌ بِجُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ، لَا يَعُوزُهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ (مِنْهَا) النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (١٦: ٨٩) وَقَوْلِهِ: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ (٦: ٣٨) وَقَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (١٧: ٩) يَعْنِي الطَّرِيقَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ، وَلَوْ لَمْ يُكْمِلْ فِيهِ جَمِيعَ مَعَانِيهَا - أَيِ الشَّرِيعَةِ - لَمَا صَحَّ إِطْلَاقُ هَذَا الْمَعْنَى عَلَيْهِ حَقِيقَةً. وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ هُدًى وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَلَا يَكُونُ شِفَاءً لِجَمِيعِ مَا فِي الصُّدُورِ إِلَّا وَفِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. وَمِنْهَا مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْمُؤْذِنَةِ بِذَلِكَ ; كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللهِ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، إِلَخْ ; فَكَوْنُهُ حَبْلَ اللهِ بِإِطْلَاقٍ وَالشِّفَاءَ النَّافِعِ إِلَى تَمَامِهِ، دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَنَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ كُلَّ مُؤَدِّبٍ يَجِبُ أَنْ يُؤْتَى أُدُبَهُ، وَأَنَّ أُدُبَ اللهِ الْقُرْآنُ. وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، وَصِدْقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٦٨: ٤).
ثُمَّ أَوْرَدَ الشَّاطِبِيُّ طَائِفَةً مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَأْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ:
" وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمَسَائِلِ وَالْقَوَاعِدِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِي السُّنَّةِ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ " وَهَذَا ذَمٌّ وَمَعْنَاهُ اعْتِمَادُ


الصفحة التالية
Icon