أَطَبِيعَةٌ ذَا الْحُزْنِ لَيْسَ يَشِذُّ عَنْ | نَامُوسِهِ فَرْدٌ مِنَ الْأَفْرَادِ |
أَمْ ذَاكَ مِمَّا أَوْدَعَتْهُ شَرَائِعُ الْـ | أَدْيَانِ مِنْ هَدْيٍ لَنَا وَرَشَادِ |
أَمْ ذَلِكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ قَضَى عَلَى | كُلِّ الشُّعُوبِ بِهَذِهِ الْأَصْفَادِ |
كَلَّا فَلَيْسَ الْأَمْرُ ضَرْبَةَ لَازِبٍ | لَكِنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْمُعْتَادِ |
فَاخْلَعْ جَلَابِيبَ الْعَوَائِدِ إِنْ تَكُنْ | لَيْسَتْ بِحُكْمِ الْعَقْلِ ذَاتَ سَدَادِ |
وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ هَذِهِ بِقَوْلِهِ: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي الْوَقْفِ هُنَا، هَلْ يَتِمُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (قُلُوبُهُمْ) أَمْ قَوْلِهِ: (هَادُوا) ؟ أَمَّا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ادَّعَوُا الْإِيمَانَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَمَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ تَقْدِيرُهَا: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا (أَيِ الْيَهُودِ) قَوْمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ... إِلَخْ. وَأَمَّا التَّقْدِيرُ عَلَى الثَّانِي فَهُوَ: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ حُذِفَ مِنْهَا الْمُبْتَدَأُ ; أَيْ هُمْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ... إِلَخْ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَافِقِينَ هُنَا مُنَافِقُو الْيَهُودِ ; فَيَكُونُ الْكَلَامُ هُنَا فِي أُولَئِكَ الْيَهُودِ عَامَّةً، الَّذِينَ أَظْهَرُو الْإِسْلَامَ نِفَاقًا وَالَّذِينَ ظَلُّوا عَلَى دِينِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَوَّلِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ غَيْرِ الْيَهُودِ عَلَى قَاعِدَةِ: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) هَلْ هُوَ وَصْفٌ لِلْفَرِيقَيْنِ أَمْ لِأَحَدِهِمَا؟ أَيْ
بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (سَمَّاعُونَ)... إِلَخْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: (لِلْكَذِبِ) فِيهَا وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهَا لِلتَّقْوِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْكَذِبَ كَثِيرًا سَمَاعَ قَبُولٍ، أَوْ يَقْبَلُونَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْكَذِبِ: مَا يَقُولُهُ رُؤَسَاؤُهُمْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَحْكَامِ الدِّينِ الَّتِي يَتَلَاعَبُونَ فِيهَا بِأَهْوَائِهِمْ. (وَثَانِيهَا) : أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَثِيرُو الِاسْتِمَاعِ لِكَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ