إِزَالَةً مُؤَقَّتَةً. ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سُمُومٌ مَكْرُوهَةٌ
فِي نَفْسِهَا، وَمَتَى أَثَّرَ سُمُّهَا فِي الْأَعْصَابِ بِالتَّنْبِيهِ الزَّائِدِ وَغَيْرِهِ أَعْقَبَ ذَلِكَ ضِدَّهُ مِنَ الْفُتُورِ وَالْأَلَمِ، وَهُمَا يُطَارَدَانِ بِالْعَوْدِ إِلَى الشُّرْبِ، كَمَا قَالَ أَشْعَرُ السِّكِّيرِينَ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى تَمْثِيلِ تَأْثِيرِ السُّكْرِ
وَدَاوِنِي بِالَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ
وَقَالَ:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ | وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا |
إِذَا اسْتَشْفَيْتَ مِنْ دَاءٍ بِدَاءٍ | فَأَقْتَلُ مَا أَعَلَّكَ مَا شَفَاكَا. |
وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ يَصِحُّ جَمْعُهُ مَعَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ مَتَاعَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْخَاصَّ بِهَا مَتَاعٌ قَلِيلٌ، أَجَلُهُ قَصِيرٌ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَغْتَرَّ بِهِ الْعَاقِلُ الرَّاشِدُ، فَهُوَ لَيْسَ إِلَّا كَلَعِبِ الْأَطْفَالِ فِي قِصَرِ مُدَّتِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الطِّفْلَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْمَلَلُ مِنْ كُلِّ لُعْبَةٍ، أَوْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ زَمَنَ الطُّفُولَةِ قَصِيرٌ، كُلُّهُ غَفْلَةٌ، أَوْ كَلَهْوِ الْمَهْمُومِ فِي قِصَرِ مُدَّتِهِ، عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَطْلُوبٍ لِذَاتِهِ.
(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) هَذَا خَبَرٌ مُؤَكَّدٌ بِلَامِ الْقَسَمِ،
يُفِيدُ بِمُقَابَلَتِهِ أَنَّ نَعِيمَ الْآخِرَةِ لَيْسَ كَنَعِيمِ الدُّنْيَا لَعِبًا وَلَهْوًا يَعْبَثُ بِهِ الْعَابِثُونَ، أَوْ يَتَشَاغَلُونَ وَيَتَسَلَّوْنَ بِهِ عَنِ الْأَكْدَارِ وَالْهُمُومِ، بَلْ هُوَ مِمَّا يَقْصِدُهُ الْعَاقِلُ لِفَوَائِدِهِ وَمَنَافِعِهِ الثَّابِتَةِ الدَّائِمَةِ - وَأَنَّ تِلْكَ الدَّارَ لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَالشُّرُورَ الْمُحَرَّمَةَ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ الَّذِينَ لَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ حَيَاتِهِمْ إِلَّا التَّمَتُّعَ الَّذِي هُوَ مِنَ اللَّعِبِ فِي قِصَرِ مُدَّتِهِ، وَعَدَمِ فَائِدَتِهِ،