وَأَنَّهُمْ غَيْرُ خَارِجِينَ مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا، وَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَأَنَّ عَذَابَهُمْ فِيهَا مُقِيمٌ، وَأَنَّهُ غَرَامٌ أَيْ لَازِمٌ لَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْرِدَ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلِ النَّارُ أَبَدِيَّةٌ أَوْ مِمَّا كُتِبَ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ؟ وَأَمَّا كَوْنُ الْكُفَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَلَا التَّابِعُونَ وَلَا أَهْلُ السُّنَّةِ. وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَنْ قَدْ حَكَيْنَا أَقْوَالَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالِاتِّحَادِيَّةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تَقْتَضِي خُلُودَهُمْ فِي دَارِ الْعَذَابِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً، وَلَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا أَلْبَتَّةَ كَمَا يُخْرَجُ أَهْلُ التَّوْحِيدِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا، فَالْفَرْقُ كَالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الْحَبْسِ وَهُوَ حَبْسٌ عَلَى حَالِهِ وَبَيْنَ مَنْ يَبْطُلُ حَبْسُهُ بِخَرَابِ الْحَبْسِ وَانْتِقَاضِهِ.
(قَالُوا: وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) وَهُوَ مَجِيءُ السُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ بِخُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ النَّارِ دُونَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَهِيَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهِيَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى مَا
قُلْنَاهُ مِنْ خُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْهَا وَهِيَ دَارُ عَذَابٍ لَمْ تَفْنَ، وَيَبْقَى الْمُشْرِكُونَ فِيهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً. وَالنُّصُوصُ دَلَّتْ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا.
(قَالُوا: وَأَمَّا الطَّرِيقُ الرَّابِعُ) وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّفَنَا عَلَى ذَلِكَ ضَرُورَةً فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ بِالضِّرْوَةِ أَنَّ الْكَفَّارَ بَاقُونَ فِيهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً، هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ دِينِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا أَبَدِيَّةً لَا انْتِهَاءَ لَهَا وَلَا تَفْنَى كَالْجَنَّةِ فَأَيْنَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(قَالُوا: وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْخَامِسُ) وَهُوَ أَنَّ فِي عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَوْلَ بِفَنَائِهِمَا قَوْلُ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا فَنَاءُ النَّارِ وَحْدَهَا فَقَدْ وَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْقَوْلُ بِهِ مِنْ أَقْوَالِ