تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (٦: ١٥٩) الْآيَةَ. وَلَوْلَاهُ لَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ الْأَعْلَامُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ يَتَنَابَزُونَ بِالْأَلْقَابِ، وَيَتَبَارُونَ بِالسِّبَابِ، وَيَتَهَاجَوْنَ بِالْأَشْعَارِ، كَقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ الْأَعْرَافِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا: ثُمَّ تَعْجَبُ مِنَ الْمُتَّسِمِّينَ بِالْإِسْلَامِ، الْمُتَّسِمِّينَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، كَيْفَ اتَّخَذُوا هَذِهِ الْعَظِيمَةَ مَذْهَبًا؟ وَلَا يَغُرُنَّكَ تَسَتُّرَهُمْ بَالْبَلْكَفَةِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَنْصُوبَاتِ أَشْيَاخِهِمْ - يَعْنِي بِالْبَلْكَفَةِ قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ - تَعَالَى - يُرَى بِلَا كَيْفٍ؛ أَيْ: أَنَّ رُؤْيَتَهُ لَيْسَتْ كَرُؤْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِيمَا يَلْزَمُهَا مِنْ كَوْنِ الْمَرْئِيِّ جِسْمًا كَثِيفًا تُحِيطُ بِهِ أَشِعَّةُ الْبَصَرِ - ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ بَعْضُ الْعَدْلِيَّةِ فِيهِمْ:
وَجَمَاعَةٌ سَمُّوا هَوَاهُمْ سُنَّةً | لِجَمَاعَةٍ حُمُرٍ لَعَمْرِي مُوَكَّفَةِ |
قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ وَتَخَوَّفُوا | شُنْعَ الْوَرَى فَتَسْتُرُوا بِالْبَلْكَفَةِ |
وَلَوْ أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ وَشَاعِرَ الْعَدْلِيَّةِ لَمْ يَقُولَا مَا قَالَا مِنَ الطَّعْنِ وَالْهَجْوِ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، بِأَنِ اكْتَفَى الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ بِمَا أَوَّلَهَا بِهِ مِنْ كَوْنِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الْمَعْرِفَةِ الْجَلِيَّةِ، لَمَا جُوزِيَا عَلَى ذَلِكَ بِمِثْلِ ذَنْبِهِمَا أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُنِيرِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ فِي (الِانْتِصَافِ) حَاشِيَتِهِ عَلَى الْكَشَّافِ:
وَجَمَاعَةٌ كَفَرُوا بِرُؤْيَةِ رَبِّهِمْ | حَقًّا وَوَعْدُ اللهِ مَا لَنْ يَخْلُفَهُ |
وَتَلَقَّبُوا عَدْلِيَّةً قُلْنَا أَجَلْ | عَدَلُوا بِرَبِّهِمْ، فَحَسْبُهُمْ سَفَهْ |
وَتَلَقَّبُوا النَّاجِينَ، كَلَّا إِنَّهُمْ | إِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي لَظَى فَعَلَى شَفَهْ |