كُلُّهَا وَاجِبَةُ الرَّدِّ، وَلَا نَشْتَرِي
قَوْلَهُ بِحَبَّةِ خَرْدَلٍ، فَلَا أَنْقُلُ عَنْ أَقْوَالِهِ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَيْنَا.
وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّمَانِيَةَ أَقُولُ: إِنَّ الْأَخْبَارَ الْوَاقِعَةَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوجَدُ كَثِيرَةً إِلَى الْآنِ أَيْضًا مَعَ وُقُوعِ التَّحْرِيفَاتِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، وَمَنْ عَرَفَ أَوَّلًا طَرِيقَ إِخْبَارِ النَّبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ النَّبِيِّ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى مَا عَرَفْتَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي ثُمَّ نَظَرَ ثَانِيًا بِنَظَرِ الْإِنْصَافِ إِلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَقَابَلَهَا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي نَقَلَهَا الْإِنْجِيلِيُّونَ فِي حَقِّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ عَرَفْتَ نُبَذًا مِنْهَا فِي الْأَمْرِ السَّادِسِ - جَزَمَ بِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُحَمَّدِيَّةَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَأَنْقُلُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ عَنِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ بُرُوتُسْتَنْتْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ بِشَارَةً.
(الْبِشَارَةُ الْأُولَى)
فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ (التَّثْنِيَةِ) هَكَذَا (١٧ فَقَالَ الرَّبُّ لِي نَعَمْ جَمِيعُ مَا قَالُوا ١٨ وَسَوْفَ أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِثْلَكَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ، وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ وَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ آمُرُهُ بِهِ ١٩، وَمَنْ لَمْ يُطِعْ كَلَامَهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي فَأَنَا أَكُونُ الْمُنْتَقِمَ مِنْ ذَلِكَ ٢٠ فَأَنَا النَّبِيُّ الَّذِي يَجْتَرِي بِالْكِبْرِيَاءِ، وَيَتَكَلَّمُ فِي اسْمِي مَا لَمْ آمُرْهُ بِأَنْ يَقُولَهُ أَمْ بِاسْمِ آلِهَةِ غَيْرِي فَلْيَقْتُلْ ٢١ فَإِنْ أَجَبْتَ وَقُلْتَ فِي قَلْبِكَ كَيْفَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُمَيِّزَ الْكَلَامَ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ ٢٢ فَهَذِهِ تَكُونُ لَكَ آيَةً أَنَّ مَا قَالَهُ ذَلِكَ النَّبِيُّ فِي اسْمِ الرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ فَالرَّبُّ لَمْ يَكُنْ تَكَلَّمَ بِهِ بَلْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَوَّرَهُ فِي تَعَظُّمِ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَخْشَاهُ.
وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ لَيْسَتْ بِشَارَةً بِيُوشَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يَزْعُمُ الْآنَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَلَا بِشَارَةً بِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا زَعَمَ عُلَمَاءُ بُرُوتُسْتَنْتْ بَلْ هِيَ بِشَارَةٌ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَشَرَةِ أَوْجُهٍ.
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) قَدْ عَرَفْتَ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ أَنَّ الْيَهُودَ الْمُعَاصِرِينَ لِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانُوا يَنْتَظِرُونَ نَبِيًّا آخَرَ مُبَشَّرًا بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكَانَ هَذَا الْمُبَشِّرُ بِهِ عِنْدَهُمْ غَيْرَ الْمَسِيحِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الْمُبَشَّرُ بِهِ يُوشَعَ وَلَا عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ لَفْظُ مِثْلَكَ، وَيُوشَعُ وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ - لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا مِثْلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ مُوسَى كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ مِنَ الْبَابِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ (التَّثْنِيَةِ) وَهِيَ هَكَذَا (١٠ وَلَمْ يَقُمْ بَعْدَ ذَلِكَ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ) إِلَخْ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ يُوشَعَ وَبَيْنَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَاحِبُ كِتَابٍ وَشَرِيعَةٍ جَدِيدَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ وَيُوشَعُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُتَّبِعٌ لِشَرِيعَتِهِ، وَكَذَا لَا تُوجَدُ الْمُمَاثَلَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى