عَلَى عِلَّاتِهَا، وَمَا هُوَ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى. قَالَ الْمُبَرِّدُ فِي أَسَاطِيرَ: هِيَ جَمْعُ أُسْطُورَةٍ كَأُرْجُوحَةٍ وَأَرَاجِيحَ وَأُثْفِيَّةِ وَأَثَافِيَّ وَأُحْدُوثَةٍ وَأَحَادِيثَ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْأَسَاطِيرُ الْأَحَادِيثُ لَا نِظَامَ لَهَا جَمْعُ أَسْطَارٍ وَأَسْطِيرٍ وَأُسْطُورٍ وَبِالْهَاءِ فِي الْكُلِّ. وَأَصْلُ السَّطْرِ الصَّفُّ مِنَ الشَّيْءِ كَالْكِتَابِ وَالشَّجَرِ اهـ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَكَانَ النَّضْرُ هَذَا يَخْتَلِفُ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ فَيَسْمَعُ أَخْبَارَهُمْ عَنْ رُسْتُمَ وَاسْفِنْدِيَارَ وَكِبَارِ الْعَجَمِ، وَيَمُرُّ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيَسْمَعُ مِنْهُمُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، كَأَنَّهُمْ يَعْنُونَ أَنَّ أَخْبَارَ الْقُرْآنِ عَنِ الرُّسُلِ وَأَقْوَامِهِمُ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِقِصَصِ أُولَئِكَ الْأُمَمِ فَقَالَ: إِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا، فَمَا هِيَ مِنْ خَبَرِ الْغَيْبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللهِ، وَلَعَلَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فَقَلَّدَهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا أَسَاطِيرُ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي افْتَرَاهَا، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ كِبَارِ طَوَاغِيتِهِمْ، وَمِنْهُمُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦: ٣٣) بَلْ كَانُوا يُوهِمُونَ عَامَّةَ الْعَرَبِ أَنَّهُ اكْتَتَبَهَا وَجَمَعَهَا كَمَا فِي آيَةِ الْفُرْقَانِ: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢٥: ٥) أَيْ لِيَحْفَظَهَا، وَلَمْ يَكُنْ كُبَرَاءُ مُجْرِمِي قُرَيْشٍ، وَلَا أَهْلُ مَكَّةَ يَعْتَقِدُونَ هَذَا أَيْضًا،
فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا، بَلْ تَشَاوَرُوا فِي شَيْءٍ يَقُولُونَهُ; لِيَصُدُّوا بِهِ الْعَرَبَ عَنِ الْقُرْآنِ فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ، وَقَدْ كَذَّبَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ فَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ إِثْبَاتًا، وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ أَشَدِّهِمْ كُفْرًا وَعِنَادًا، وَحِرْصًا عَلَى صَدِّ النَّاسِ عَنِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (٣١: ٦) إِذِ اشْتَرَى قَيْنَةً جَمِيلَةً كَانَتْ تُغَنِّي النَّاسَ بِأَخْبَارِ الْأُمَمِ وَغَيْرِ الْأُمَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِصَرْفِهِمْ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَهِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مُنْتَهَى الْجُحُودِ وَالْعِنَادِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ النَّضْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ فِي أُسْلُوبِهِ أَوْ بَلَاغَتِهِ وَتَأْثِيرِهِ، وَهُوَ مِنْ بُلَغَاءِ قُرَيْشٍ، إِذْ لَوْ قَدَرَ لَفَعَلَ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَحْرَصِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ، بَلْ هُوَ طَعْنٌ فِي أَخْبَارِ الْقُرْآنِ عَنِ الرُّسُلِ; لِتَشْكِيكِ الْعَرَبِ فِيهِ وَصَرْفِهَا عَنْهُ، وَقَدْ حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا " افْتَرَاهُ " وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ نَفْيٌ لِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ خَاصًّا بِبَعْضِهِمْ كَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الَّذِي قَالَ لِأَبِي جَهْلٍ وَالْأَخْنَسِ وَغَيْرِهِمَا حِينَ دَعَوْهُ لِتَكْذِيبِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ يَكْذِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، أَفَيَكْذِبُ عَلَى اللهِ؟ وَقَدْ شَمَلَ التَّحَدِّي بِالْقُرْآنِ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَنِ اعْتِقَادٍ أَوْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ إِذْ قَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٠: ٣٨) أَيْ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَاةٍ كَمَا صَرَّحَ بِالْوَصْفِ فِي سُورَةِ هُودٍ فَقَالَ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ


الصفحة التالية
Icon