لذلك يحرم أخذ الأجرة على تعليمها.
غير أن المتأخرين من العلماء لما رأوا تهاون الناس، وعدم اكتراثهم لأمر التعليم الديني، وانصرافهم إلى الاشتغال بمتاع الحياة الدنيا، ورأوا أن ذلك يصرف الناس عن أن يعنوا بتعلم كتاب الله، وسائر العلوم الدينية، فينعدم حفظة القرآن، وتضيع العلوم، لذلك أباحوا أخذ الأجور، بل زعم بعضهم أنه واجب للحفاظ على علوم الدين، وما هذه الأوقاف والأرصاد التي حبسها الخيّرون إلا لغرض صيانة القرآن وعلوم الشريعة، وسبيل لتنفيذ ما وعد الله به من حفظ القرآن في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] غير أننا نجد المتقدمين من الفقهاء متفقين على حرمة أخذ الأجرة على علوم الدين. لأن العلم عبادة وأخذ الأجرة على العبادة غير جائز.
قال أبو بكر الجصاص: «وقد دلت الآية على لزوم إظهار العلم، وترك كتمانه، فهي دالة على امتناع جواز أخذ الأجرة عليه، إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما عليه فعله، ألا ترى أنه لا يجوز استحقاق الأجر على الإسلام؟!
ويدل عليه أيضاً قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [البقرة: ١٧٤] وظاهر ذلك يمنع أخذ الأجر على الإظهار والكتمان جميعاً، لأن قوله تعالى: ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [البقرة: ١٧٤] مانع أخذ البدل عليه من سائر الوجوه، إذ كان الثمن في اللغة هو البدل، قال عمر بن أبي ربيعة:

إن كنت حاولت دنيا أو أصبت بها فما أصبت بترك الحج من ثمن
فثبت بذلك بطلان الإجارة على تعليم القرآن، وسائر علوم الدين».
وقال الفخر الرازي: «احتجوا بهذه الآية على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على التعليم، لأن الآية لما دلت على وجوب التعليم، كان أخذ الأجرة أخذاً


الصفحة التالية
Icon