يكون بالعدو، والآية بظاهرها تميل إلى التيسير، فإن المريض الذي يشتد مرضه كيف يمكنه إتمام المناسك ﴿والشخص الذي تضل راحلته، أو تضيع نقوده كيف يستطيع متابعة السفر، مع أنه لم يعد يملك نفقة ولا زاداً؟ وهل يكلفه الإسلام أن يستجدي من الناس؟﴾
وهذا الذي رجحناه هو الذي اختاره شيخ المفسرين (ابن جرير الطبري) رَحِمَهُ اللَّهُ حيث قال ما نصه: «وأولى التأويلين بالصواب في قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحصركم خوف عدو، أو مرض، أو علة من الوصول إلى البيت، أي صيّركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم. ولو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ فإن حبسكم حابسٌ من العدو عن الوصول إلى البيت، لوجب أن يكون: فإن حصرتم».
أقول ويؤيده ما روي في «الصحيحين» عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: «دخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حُجّي واشترطي أن مَحَلّي حيث حبستني» فقد دل على أن المرض من الأسباب المبيحة للتحلل، وهذا ما يتفق مع سماحة الإسلام ويسر أحكامه.
الحكم الثالث: ماذا يجب على المحصر، وأين موضع ذبح الهدي؟
الآية الكريمة صريحة في أن على (المحصر) أن يذبح الهدي لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي﴾ وأقله شاة، والأفضل بقرة أو بدنة، وإنما تجزئ الشاة لقوله تعالى: ﴿فَمَا استيسر﴾ وهذا رأي جمهور الفقهاء، وروي عن ابن عمر أنه قال: بدنة أو بقرة ولا تجزئ الشاة، والصحيح رأي الجمهور.


الصفحة التالية
Icon