خلقه برحمته أي صفة فعل له سبحانه، فإذا أردتّ فهم هذا فتأمل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً﴾ [الأحزاب: ٤٣] ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧] ولم يجيء قط رحمن بهم فعلمت أن (رحمن) هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته».
ثم قال رَحِمَهُ اللَّهُ: وهذه النكتة لا تكاد تجدها في كتاب.
ومجمل القول: أنَّ معنى (الرحمن) المنعم بجلائل النعم، ومعنى (الرحيم) المنعم بدقائقها.
وقيل: إنهما بمعنى واحد، والثاني لتأكيد الأول وهو رأي الصبّان والجلال، وهو ضعيف فقد قال ابن جرير الطبري: لا توجد في القرآن كلمة زائدة لغير معنى مقصود.
والراجح: ما ذهب إليه ابن القيم وهو أن الوصف الأول دال على الرحمة الثابتة له سبحانه، والثاني يدل على تجدّد الأفعال المتعلقة بهذه الصفة والله أعلم.
اللطيفة الثامنة: قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب على سبيل التفنن في الكلام، لأنه أدخلُ في استمالة النفوس، واستجلاب القلوب، وهذا (الإلتفات) ضرب من ضروب البلاغة، ولو جرى الكلام على الأصل لقال (إيّاه نعبد) فعدل عن ضمير الغائب إلى المخاطب لنكتة (الإلتفات) ومثله قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [الإنسان: ٢١] ثم قال: ﴿إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً﴾ [الإنسان: ٢٢] وقد يكون الإلتفات من (الخطاب) إلى (الغيبة) كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] فقد كان الكلام مع المخاطبين، ثم جاء بضمير الغيبة على طريق الإلتفات.
قال أبو حيان في «البحر» :«ونظير هذا أن تذكر شخصاً متصفاً بأوصاف جليلة، مخبراً عنه إخبار الغائب، ويكونذلك الشخص حاضراً معك، فتقول له: إيّاك أقصد، فيكون في هذا الخطاب من التلطف على بلوغ


الصفحة التالية
Icon