أمته، بدليل صيغة الجمع التي ختمت بها الآية الكريمة ﴿إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾.
قال الإمام الفخر رَحِمَهُ اللَّهُ:» الأمرُ بالشيء لا يكون إلاّ عند عدم اشتغال المأمور، بالمأمور به، إذ لا يصلُح أن يقال للجالس: اجلس، وللساكت: اسكت، والنبيّ عليه السلام كان متقياً لله فما الوجه فيه؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنه أمر بالمداومة، فإنه يصح أن يقول القائلُ للجالس: اجلس هاهنا إلى أن أجيئك، ويقول الفائلُ للساكت: قد أصبتَ فاسكتْ تسلَمْ، أي دمْ على ما أنتَ عليه.
والثاني: أن النبيّ عليه السلام كلّ لحظة كان يزداد علمثه ومرتبتُه، فكان له في كل ساعة تقوى متجدّدة. فقوله: (اتق الله) يراد منه الترقي الدائم، فحاله فيما مضى كأنه بالنسبة إلى ما هو فيه ترك للأفضل، فناسب الأمر به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالتقوى.
اللطيفة الثالثة: السرّ في تقديم القلبين في قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ﴾ على بقية الأمور التي كان يعتقد بها أهل الجاهلية، هو أنه بمثابة ضرب مثل، والمثلُ ينبغي أن يكون أظهر وأوضح فهناك أمور ثلاثة باطلة هي من مخلّفات الجاهلية، فكونُ الرجل له قلبان أمر لا حقيقة له في الواقع، وجعلُ (المُظَاهَر) منها أمّاً أو كالأم في الحرمة المؤبدة من أمر لا حقيقة له في الواقع، وجعلُ (المُظَاهَر) منها أمّاً أو كالأم في الحرمة المؤبدة من مخترعات الجاهلية، وجعل (المتبنّى) باناً في جميع الأحكام مما لا يقرّه شرع.
ولمّا كان أظهرَ هذه الأمور في البعد عن الحقيقة كونث الرجل له قلبان، قدّم الله جلّ ثناؤه ذلك، وضربه مثلاً للظهار، والتبني. فكأنّ الآية تقول: كما لا يكون لرجلٍ قلبان، لا تكون المظاهَرث منها أمّاً، ولا المتبنّى ابناً، والله أعلم بأسرار كتابه.


الصفحة التالية
Icon