بلفظ الهبة بدون مهر فقال جل ثناؤه: ﴿وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين﴾.
فقوله تعالى: ﴿إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ وقوله ﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ دليل على أنّ إحلال المرأة عن طريق الهبة إنما كان خاصاً بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بدليل قوله تعالى ﴿مِن دُونِ المؤمنين﴾ فالخصوصية له عليه السلام كانت بالهبة (لفظاً ومعنى) لأنّ اللفظ تابع للمعنى.
ب - وقالوا: ما كان من خصوصياته عليه السلام، فلا يجوز أن يشاركه فيها أحد.
والآية دلت على أن هذا خاص بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي أن النكاح بدون مهر، وبلفظ الهبة معاً، من خصائصه عليه السلام، فمن أين لكم الخصوصية في المعنى دون اللفظ؟ ومن أين لكم أنه يجوز عقد النكاح لغير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بلفظ الهبة مع إيجاب المهر؟
ج - وأما استدلال الحنفية بحديث (سهل بن سعد) أن النبي عليه السلام زوّج الصحابي بلفظ التمليك بقوله: «اذهب فقد ملّكتُكها بما معك من القرآن» فليس فيه ما يدل لهم، فقد جاء في بعض الروايات «اذهب فقد زوّجتُكها» وليس كل ما يدل على التمليك ينعقد به النكاح. فلفظ الإجارة يدل على التمليك ومع ذلك لا ينعقد به النكاح باتفاق.
الترجيح: أقول: أدلة الحنفية كما بسطها الإمام (الجصاص) وإن كانت قوّية، إلاّ أنّ النصّ ورد بالخصوصية للرسول عليه السلام في (نكاح الهبة) والظاهر أنّ المراد منه (اللفظ والمعنى)، وحمله على لامعنى دون اللفظ يحتاج إلى دليل. وصيَغُ النكاح لا يجري فيها القياس، فما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح كما قال الإمام مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: إنّ الهبة لا تحل لأحد بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إن كانت هبة نكاح، والله أعلم.