وهكذا كان هذا الزواج للتشريع، وكان بأمر الحكيم العليم، فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٨٥].
ثالثاً: الحكمة الاجتماعية:
أما الحكمة الثالثة فهي (الحكمة الاجتماعية) وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بابنة الصّديق الأكبر (أبي بكر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وزيره الأول، ثمّ بابنة وزيره الثاني الفاروق (عمر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه، ثمّ باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب. وتزوجه العديد منهن، ممّا ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان، وإكبار، وإجلال.
لقد تزوّج النبي صلوات الله عليه بالسيدة (عائشة) بنتِ أحبّ الناس إليه، وأعظمهم قدراً لديه، ألاوهو أبو بكر الصدّيق، الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام، وقدّم نفسه وروحه وماله، في سبيل نصرة دين الله، والذود عن رسوله، وتحمّل ضروب الأذى في سبيل الإسلام، حتى قال عليه السلام - كما في الترمذي - مُشيداً بفضل أبي بكر:
«ما لأحد عندنا يدٌ وقد كافيناه بها، ما خلا أبا بكر، فإنّ له عندنا يداً يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحدٍ قط ما نفعني مال أبي بكر. وما عرضت الإسلام على أحدٍ إلاّ كانت له كبوة (أي تردد وتلكؤ) إلا أبا بكر فإنه لم يتعلثم، ولو كنتُ متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، أإلا وإنّ صاحبكم خليل الله تعالى».
فلم يجد الرسول صلى الله عله وسلم مكافأة لأبي بكر في ادلنيا، أعظم من أن يُقرَّ عينه بهذا الزواج بابنته، ويصبح بينهما (مصاهرة) وقرابة، تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق.