كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة (حفصة بنت عمر) فكان ذلك قرّة عين لأبيها عمر على إسلامه، وصدقه، وإخلاصه، وتفانيه في سبيل هذا الدين، وعمر هو بطل الإسلام، الذي أعزّ الله به الإسلام والمسلمين، ورفع به منار الدين، فكان اتصاله عليه السلام به عن طريق المصاهرة، خيّرَ مكافأة له على ما قدّم في سبيل الإسلام، وقد ساوى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة، فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرفٍ لهما، بل أعظم مكافأة ومنّة، ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف، فما أجلّ سياسته؟ وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين!.
كما يقابُل ذلكَ اكرامَه لعثمان وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بتزويجهما ببناته، وهؤلاء الأربع هم أعظم أصحابه، وخلفاؤه من بعده في نشر ملته، وإقامة دعوته، فما أجلّها من حكمة، وما أكرمها من نظرة؟
رابعاً: الحكمة السياسية:
لقد تزود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ببعض النسوة، من أجل تأليف القلوب عليه، وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أنّ الإنسان إذا تزوج من قبيلة، أو عشيرة، يصبح بينه وبينهم قرابة و (مصاهرة) وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضّح لنا الحكمة، التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.
أولاً: تتزوّج صلوات الله عليه بالسيدة (جويرية بنت الحارث) سيّد بني المصطلق، وكانت قد أُسِرت مع قومها وعشيرتها، ثمّ بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تستعينه بشيء من المال، فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك فتزوجها، فقال المسلمون: أصهار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تحت أيدينا؟ (أي أنهم في الأسر) فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم،